"ذاكر عايزينك تدخل كلية الطب" هى الجملة التى تقال فى أغلب البيوت المصرية لكل تلميذ أو طفل، فالأب والأم يحددون لأبنائهم مستقبلهم منذ الصغر بدافع الحب ورغبة منهم فى تحقيق حياة كريمة لأبنائهم، ولكن هذا يجعلهم يحرمون أبنائهم من حقهم فى تحديد مستقبلهم بأيديهم .
حتى عندما يولد الطفل نجد الأهل يكتبون على ورقة السبوع "دكتور فى الرضاعة"!
فنجد فى أغلب البيوت المصرية أن الآباء يرغبون لأبنائهم دخول كليات الطب أو الهندسة أو الصيدلة أو ما يسمى بكليات القمة غير مدركين أن هذا يمثل نوعاً من الضغط على الأبناء يتمثل فى أن القدرة العقلية والاستعابية للطلاب متفاوتة فهناك طلاب لديهم قدرة عالية على الفهم والاستعاب وآخرون قدرتهم ضعيفة أو منخفضة، كما أن القدرة على المذاكرة متفاوتة أيضا فهناك من يستطيع الدراسة لساعات طويلة بدون انقطاع، بينما يحتاج آخرون إلى أخذ قسط من الراحة كل 15-20 دقيقة، أو أن لديهم موهبة فى اتجاه أخر أو رغبة بدخول كلية أخرى.
وبتكرار سماع الأبناء لرغبة والديهم فى دخولهم لكلية ما نجدهم يضعوا دخولهم لهذه الكلية هدفاً لهم لإرضاء والديهم ويحاولون جاهدين الحصول على مجموع هذه الكلية دون النظر إلى قدراتهم وموهبتهم وبالتالى يكون والديهم هما اللذان حددا لهم هدفهم وليس هم .
ولأن أغلب الأبناء فى هذا السن ( قبل دخول الكلية ) يكونوا غير قادرين على معرفة قدراتهم ورغباتهم جيدا فيحتاجوا من والديهم أن يوجهونهم إلى الطريق لمعرفة قدراتهم وتنمية مواهبهم لا أن يفرضوا عليهم رغباتهم فى دخول كلية ما وغالباً ما تكون النتيجة أن الابن لم يستطيع الحصول على المجموع العالى ليدخل كلية الطب أو الهندسة قد يكون ذلك بسبب قدراته العقلية أو عدم حبه للمواد العلمية أو لعدم التوفيق من الله...........الخ.
وبعد ذلك يضطر الابن إلى دخول كلية أخرى لا هى الكلية التى كان يرغب بها ولا هى الكلية التى كان أبيه يريد له أن يدخلها ؛ وهذا يجعله يفقد الثقة بنفسه وينتابه الشعور بالذنب لعدم قدرته على تحقيق رغبة والديه ويفقد القدرة على التخطيط لمستقبله ويعتاد على أن الغير يخطط له حياته ويعيش متشتت ومتردد دون هدف واضح فى الحياة .
والمشكلة هنا ليست فى الآباء فقط بقدر ما هى فى نظرة المجتمع التى تقسم الكليات إلى كليات قمة وأخرى ليست قمة ،فالمستقبل الباهر ليس فى كلية الطب أو الهندسة أو الصيدلة فقط أو ما يسمى بكليات القمة، فأنا ضد هذا التقسيم فكل الكليات هى كليات قمة، وكل طالب فى كليته أو معهده أو مدرسته يستطيع أن يصبح شخصاً مميزاً وانساناً ناجحاً . فكما هناك الطبيب الناجح هناك المحامى المتميز والفلاح المكافح والنجار الشاطر و الإعلامى الناجح وغيرهم الكثير.
وكل مهنة لا تستغنى عن الأخرى ولا تستقيم الحياة بدونها فكما يحتاج النجار الطبيب ليعالجه، يحتاج الطبيب النجار ليعد له أثاث عيادته أو منزله ونحتاج ايضا الفلاح لزراعة الخضروات والفاكهة التى نأكلها .
فكل إنسان يستطيع بالإرادة والإصرار والعمل الجاد الذى يفيده ويفيد غيره أن يكون ناجحاً ومتميزا فى مكانه وله دور فعال فى المجتمع .
وأخيراً ما أريد قوله أن يراعى الآباء الله فى تربية أولادهم فهم أمانة فى أيديهم وسيسألون أمام الله عنهم وأن يوجهونهم إلى الطريق الصحيح الذى يتناسب مع قدراتهم وموهبتهم بدلا من أن يفرضوا عليهم ما لا يستطيعوا أو ما لا يحبوا وأن يحاولوا تنمية مواهب أولادهم، فالمذاكرة ليست كل شىء فيجب أن يمارسوا موهبتهم بجانب المذاكرة . فقد يكون الطفل بارع فى الرسم ولكنه لا يحب المذاكرة فمن الممكن أن نجعل المذاكرة ممتعة ومشوقة إليه من خلال الرسومات والصور والأشكال والقصص بدلاً من أن تكون عبء ثقيل بالنسبة إليه، وفى نفس الوقت لا نقتل موهبته فقد يكون فى المستقبل رسام مشهور .
