جمال الجمل يكتب: الإعلام أكثر خيالاً وخبلاً من «ماركيز» وحكاياته السحرية الأديب العالمى لم يشاهد أحمد موسى أو سيد على لكنه وقف يلعن هذا النوع الإعلامى فى خطاب علنى بمدينة مونتيرى المكسي

الأحد، 20 أبريل 2014 06:24 ص
جمال الجمل يكتب: الإعلام أكثر خيالاً وخبلاً من «ماركيز» وحكاياته السحرية الأديب العالمى لم يشاهد أحمد موسى أو سيد على لكنه وقف يلعن هذا النوع الإعلامى فى خطاب علنى بمدينة مونتيرى المكسي ماركيز

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مفتتح:
أنتم تعرفون الأديب العالمى جابرييل جارسيا ماركيز، وتعرفون أنه مات، وتتحدثون كثيرًا عن رواياته وواقعيته السحرية، وتنشرون صوره، وتقتبسون من أقواله على الـ«فيس بوك»، لكن هذه المعرفة للأسف تخاصم الثقافة، وتتجنى عليها لصالح الإعلام ونزواته، لذلك تأخذنا- كالعادة- بعيدًا عن «ماركيز»، وعن الحقيقة ذاتها.
هل تعرفون كيف؟
تعالوا نقرأ هذه الحكاية.

«ماركيز» لم يشاهد أحمد موسى، أو سيد على، لكنه وقف يلعن هذا النوع من الإعلام فى آخر خطاب علنى له بمدينة مونتيرى المكسيكية، حيث حضر فى خريف عام 2008 حفل تقديم جائزة «سيميكس» للصحافة التى ترأسها «ماركيز»، وفاز بها المذيع الإسبانى إينياكى جابيلوندو، ويومها انشغل العالم بتصريحات أشهر الأدباء الأحياء من أصحاب جائزة نوبل، وركزت الوكالات على التعبير الغاضب الذى قال فيه إنه «يعانى مثل الكلب» من هذا الإعلام الردىء. وفى الأيام التالية ركزت الميديا العالمية على أسباب هذا الهجاء من كاتب عمل بالصحافة لسنوات طويلة، ونجحت صحيفة «الباييس» الإسبانية فى إجراء حوار مع «ماركيز» الذى واصل الانتقاد، لكن بلهجة أخف، حيث أدان خضوع الإعلام لهيمنة رجال المال، وتكتلات الشركات الكبرى، كما انتقد مستوى الإعلاميين، وتعجلهم وسطحيتهم، وقال ساخرًا: «يبدو أنهم استسلموا لآفة النقل، وتسويد المساحات بسرعة عبر الكمبيوتر ومواقع الشبكة العنكبويتة، وأشعر أنهم لا يعطون الإعلام أى وقت، ولذلك تبدو كلماتهم بلاستيكية باردة لم تتفاعل فى عقل، ولم تخرج من الروح».


> هل سكت هاااااااححح اللاتينى على مثل هذا الهجاء؟
- طبعًا لا، فسرعان ما فتشت بعض وسائل الإعلام عن ثغرة فى حياة «ماركيز» لتنتقم تحت غطاء مهنى، فاصطادت تصريحات لـ«جيمى» شقيق «ماركيز»، أعرب فيها عن قلقه من تفاقم الحالة الصحية لشقيقه، وأنه أصبح ضعيف الذاكرة، ينسى كثيرًا، ولا يستطيع تمييز الأصوات، ورجح أن هذه الأعراض قد تكون ناجمة عن مخاطر العلاج الكيميائى الذى تلقاه ماركيز للحد من انتشار السرطان فى الغدد الليمفاوية.


وظهرت مانشيتات التشفى على طريقة: «ماركيز يعانى من الخرف.. شقيقه يؤكد أنه فقد الذاكرة.. ماركيز انتهى.. جابو لن يعود للأدب من جديد»، وفى محاولة للحد من هذه الحملة سربت عائلة «ماركيز» مشاهد مصورة له وهو يغنى، ويمازح أسرته فى عيد ميلاده الخامس والثمانين، وتم توزيع أخبار أنه بصدد الانتهاء من كتاب جديد. وفى الحقيقة لم يكن الكتاب إلا محاولة لتجميع نصوص 22 خطبة ألقاها فى مناسبات مختلفة، بينها خطاب تسلمه جائزة نوبل، وهذا يعنى أن الكتاب المزعوم ليس نصًا جديدًا يثبت أن «ماركيز» مازال قادرًا على الكتابة.


هذه الأزمة ذكرتنى بتعامل الإعلام مع سعاد حسنى فى السنوات الأخيرة، بنفس الطريقة التى تشبه الصلب الوحشى، فريق ينسى الزمن، ويتعامل مع «زوزو» ويروج لعودتها، ويكرس لصورة السندريلا التى لا يؤثر فيها الزمن، وفريق يجتهد فى إصدار حكم بإعدام «زوزو»، ويسرف فى تشويه صورتها مبالغًا فى أخبار البدانة والتسول، ونهاية السندريلا.. وهكذا دخل «ماركيز» متاهته مع بداية الألفية الثالثة، وأصبح مثل شخصياته المعلقة بين الواقع والخرافة فى فضاء واقعيته السحرية، فمع الأيام الأخيرة من عام 1999 تسربت شائعات عن اقتراب «ماركيز» من الموت، وإصابته بالسرطان، وفى مثل هذه الأيام من ربيع عام 2000 نشرت جريدة «لا ريبوبليكا» فى بيرو نص رسالة وداع من «ماركيز» إلى العالم، توحى بأنه استسلم للموت، وانتشر الخبر مدويًا فى العالم، خاصة بعدما نشرت صحيفة «لاكرونيكا» المكسيكية الرسالة نفسها فى صفحتها الأولى مع صورة كبيرة لـ«ماركيز»، وفوقهما عنوان بارز: «جابرييل جارسيا ماركيز يغنى للحياة»، واستمرت الميديا العالمية ترثى احتضار ماركيز، وتعيد نشر وصيته الأخيرة التى يقول فيها:
«لو شاء الله أن ينسى إننى دمية، وأن يهبنى حياة أخرى، فإننى سوف أعيشها بكل قواى/ لن أقول كل ما أفكر به/ لكننى سأفكر فى كل ما أقوله/ سأنام قليلاً وأحلم كثيرًا/ لأن كل دقيقة نغلق فيها أعيننا تعنى خسارة ستين ثانية من النور» بكى الكثيرون تأثرًا بمضمون الرسالة/الوصية، خاصة فى المقاطع التى تقول: «تعلمت منكم الكثير أيها البشر/ لكننى سأستفيد بالقليل/ لأننى تعلمتها وأنا أودع الحياة»، وفجأة دخلت صحيفة «لوس أنجلوس تايمز» الأمريكية ساحة الواقعية السحرية، وأكدت أن هذا الكلام «خبل كونى»، ونشرت مطلع يونيو 2000 تحقيقًا بعنوان: «قصيدة وداع القراء الحمقى» أو «وصية القراء السذج» حسب ترجمة العنوان الإنجليزى «Farewell poem> Fools Readers» كشفت فيه أن صحة «ماركيز» ليست بهذه الخطورة، وأنه لم يكتب هذه الرسالة من الأساس، والأهم أنها كشفت عن كاتب الرسالة الحقيقى، وهو شاب مكسيكى بسيط اسمه جونى ويلش، مصمم عرائس، كتب قصيدته بعنوان «لا ماريونيت»، أو «الدمية»، وكالعادة اهتمت وسائل الإعلام بالحدث المغاير،

وظهر «ويلش» فى عشرات البرامج التليفزيونية والصحف يتحدث عن القصيدة، مؤكدًا أنها رسالة على لسان الدمية: «لو شاء الله أن ينسى إننى دمية، وأن يهبنى حياة أخرى»، ولا علاقة لها بـ«ماركيز»، واصطحبته وسائل الإعلام بمنزل «ماركيز»، والتقطوا لهما الصور معًا، وبينهما الدمية صاحبة الوصية!

وبرغم ذلك كله، استمرت نسبة الوصية لـ«ماركيز»، وأصبحت عباراتها فى مقدمة الاقتباسات التى يتناقلها الجميع باعتبارها لصاحب نوبل، بل إن صحفًا كثيرة فى العالم، بينها «اليوم السابع» بتاريخ 8 ديسمبر 2009 نقلاً عن وكالة أنباء الشرق الأوسط، عادت بعد عشر سنوات لتنشر الوصية مجددًا باعتبارها نصًا جديدًا لـ«ماركيز»، وتم تأسيس مئات الصفحات على الـ«فيس بوك» للوصية الماركيزية المنتحلة، وكذلك مئات مقاطع الفيديو على «يوتيوب» مرة تنسب القصيدة لـ«ويلش»، ومرة لـ«ماركيز»، وتجدد الأمر هذه الأيام مع خبر الوفاة، حتى إن بعض أساتذة اللغة الإسبانية لم يعرفوا شيئًا عن هذه الضجة العبثية المستمرة منذ 14 سنة، وانضموا بطيبة السذج لجموع الـ«Fools Readers» بعد أن نسبوا الرسالة لجابرييل ماركيز!

• اعطس يا أبى فنحن فى زمن الديمقراطية.. «ماركيز» فى «ساعة نحس»





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة