نقلاً عن العدد اليومى
لم يكن خبر تطوير منطقة القناطر الخيرية وضخ الاستثمارات فيها لتحويلها إلى مدينة سياحية عالمية جديدا على سكانها والقاطنين فيها، إذ اعتادوا سماع هذه الأخبار منذ عشر سنوات، كما اعتادوا أطماع رجال أعمال جمال مبارك فى المنطقة ومعرفة رغبتهم فى استئجار «قرية مرجانة» وهى المنطقة السياحية الأبرز بالقناطر وتضم الحدائق والمتنزهات ومنطقة الكافتيريات وقاعات الأفراح والشاليهات.
ومؤخراً أنهت وزارة الرى فى حكومة «الببلاوى» عقد إيجار قرية «مرجانة» مع رجل الأعمال سامى حجازى الذى كان قد استأجرها قبل الثورة، لتعلن وزارة الرى فى الحكومة السابقة عن خطة طموحة لتطوير القناطر وتحويلها إلى مدينة سياحية عالمية.
لكن يبقى واقع لا يختلف عليه أحد فى تحول القناطر منذ ذلك الوقت وحتى الآن إلى خرابة تملأ شاليهاتها الحشرات، وتغطى أرضية كافيترياتها القمامة، ويكسو التراب كل شبر فيها.
أبواب مرجانة التى أغلقت منذ ذلك الوقت لم تكن فقط أمام الاستثمار، وإنما أيضا أمام مئات من العاملين فيها، حيث كانت القرية ملجأ لكل القرى المحيطة بها فى محافظات القليوبية، والجيزة، وحتى المنوفية، ينزحون للعمل فى محالها ومقاهيها، حتى العاملون خارج القرية من أصحاب الخيل والعجل والمراكب، توقفت أعمالهم، بتوقف السياحة الأمر الذى ازداد سوءا عقب الثورة، وهو ما انعكس على ارتفاع نسبة البطالة من جانب، وتوقف أحلام تطوير المدينة والقرى المحيطة بها من جانب آخر التى يعيش أغلبها بدون صرف صحى، ووسط أكوام من القمامة، وضعف خدمات النقل والصحة وسوء حالة الطرق، ومن تبقى آمال تحسينهم معلقة على أمل أن يكون إعلان اللجنة الوزارية يعود بنفع على المدينة ولا يكون لإنشاء استثمار يجذب الأغنياء ويطرد الفقراء.
يمكنك أن تذهب إلى القناطر عبر طريقين كلاهما صعب، أولهما الطريق الدائرى الذى يبدأ فى التوقف عند نزلة الوراق وتتحول الدقائق التى من المفترض أن تصل بها إلى المدينة لساعات نتيجة التكدس الشديد بسبب زيادة عدد السيارات وضيق الطريق، والثانى الطريق الزراعى الذى لا يمكن حصر مشكلاته بين مواقف سيارات عشوائية وسيارات نقل تسد الشارع تابعة لأحد مصانع المشروبات الغازية وأتوبيسات تابعة لإحدى الهيئات الحكومية تحتل حارة من الطريق، بقرية مرجانة.. بالقرية كان الصمت يخيم على المكان، تقف المراكب متراصة على شاطئ النيل، مهجورة خاوية على عروشها، خرج أصحابها يبحثون عن عمل آخر بعد أن فقدوا الأمل فى أن تتحسن الأوضاع فى المدينة، وفى طريق خال كان يكتظ بالزائرين سابقا، لم يكسر الصمت سوى خطى حصان يسير ببطء، يمتطيه شاب فى العشرين من عمره، تسارعت خطوته متلهفا لعلنا زبائن من العهد الغابر للقرية التى لم يعد يخطوها أحد فى السنوات الأخيرة، محمد الذى قضى 8 سنوات فى تأجير الخيل بالقناطر، يقول: «أصبحنا نبحث عن أى عمل خارج المدينة لتوفير طعام للخيل وإلا هيموت، القرية تحولت إلى خراب وكل كلام المسؤولين هراء».
يقولها محمد مشيرا إلى أحد المقاهى الذى تجمع حوله عدد من أصحاب المراكب والخيل والدراجات وأصحاب المقاهى الذين قرروا الاستمرار لعل الحال يتحسن، لتبدأ فى سماع قصة القناطر من عم صلاح، أكبر العاملين فى القرية، يقول: «أعمل هنا منذ طفولتى، مهنة أرثها عن أجدادى»، مستكملا: «كنا نؤجر المكان من وزارة الرى حتى عام 2008، أصبحت الوزارة لا تحصل على الإيجار، وتوقف العمل داخل القرية، فلم يعد هناك زوار».
كلمات صلاح تدعمها مشاهد القمامة التى تملأ شاليهات القرية بدلا من زوارها، وروث البهائم الذى يغطى الأرضيات، وتعانى كافتيرياتها من حالة مزرية، بعدما توقفت عنها أعمال الصيانة، فتغطى حمام السباحة الوحيد بالقرية بالحشرات التى استوطنته بعدما تناثرت قطع من «سيراميكه» المحطم، يتدخل جمال قائلا: «منذ أن رفضت الوزارة تجديد عقد الإيجار لسامى حجازى وعدم تأجيره لشخص آخر والحياة متوقفة داخل القرية، سألنا كتير عن السبب وكان الرد أن الوزارة تنوى تجديد القناطر، وهو الأمر الذى لم يحدث، حتى وجدنا المحافظ يزورنا منذ أيام ويخبرنا بتحويلها القناطر إلى مدينة عالمية، ووعدنا بأننا سنستمر فى عملنا كما هو».
جمال أوضح أن طوال الفترة منذ إغلاق القرية وحتى بداية الثورة كانت هناك محاولات لشراء أراضى الجزر التى تحيط بقرية مرجانة، قائلا: «اللى سمعناه أن جمال مبارك كان يريد تحويل القناطر لمدينة عالمية، وحاول البعض شراء القرية ومنعنا من دخولها بوضع بوابات على مداخلها. فى طريق غير ممهد بين الأراضى الزراعية تخطو إلى جزيرة الشعير الملاصقة لمرجانة، يحكى الأهالى أن أعمال رصف الطريق توقفت عند أبواب الأندية التابعة للقضاة والأمن المركزى، ولم يتم استكمالها لتصل إلى الجزيرة التى تعتمد شبكة مواصلاتها الداخلية على «التوك توك». عادل، أحد ساكنى الجزيرة، يقول «لم يتذكرنا المسؤولون إلا مع تناثر أخبار عن شراء أراضى الجزيرة، عدا ذلك، لا نتمتع هنا بأى خدمات لا مياه أو صرف صحى أو حتى مستشفى، ما زلنا حتى الآن نعتمد على سيارات الكسح لشفط مياه الصرف الصحى التى تتكلف حوالى 30 جنيها كل يوم أو يومين».
فريدة التى كانت تقف لمدة ساعة انتظارا لأى سيارة تنتقل بها إلى الوحدة الصحية، تدخلت قائلة: «يخدم القرية سيارتا كسح فقط ولا تستطيعان تغطية الكثافة السكانية التى تصل إلى 20 ألف نسمة، لذلك أغلب الوقت تغمر مياه الصرف الشوارع والبيوت التى باتت تمتلئ أغلبها بالتشققات وبتنا مهددين بأن تسقط فوق رؤوسنا، والمحافظة لا تنظر للمنطقة إلا كوجهة سياحية للمستثمرين».
سعد أحمد، أحد المستأجرين لمشتل فى أطراف الجزيرة الواقعة على النيل، تقدم لشراء قطعة أرض ضمن المساحة التى خصصتها المحافظة للسكن بجانب المشتل كغيره من المستأجرين، وبعد الموافقة عليها بعد الثورة مباشرة، تم الرفض على حد قول زوجته عقب الإعلان عن تحويل المدينة للسياحة العالمية، تقول زوجة سعد: «مساحة قرية مرجانة لن تكفى المنتجع السياحى وسيحتاج المستثمر بالضرورة إلى الأراضى المحيطة بالقرية وهنا المشكلة حيث يسكنها أهال، وبالتالى كل عمليات المضايقة التى نتعرض لها بداية من إهمال الخدمات مرورا برفض تصاريح البناء ورفع سعر إيجار الأراضى التى وصلت إلى 6 آلاف للمتر ما هو إلا محاولة لتطفيشنا من المكان».
أما محمود الصاوى، محامى أهالى القناطر فيلفت إلى محاولة وزارة الرى والمحافظة الاستيلاء على الأراضى، بحجة أنها تابعة للدولة وأرسلتا إنذارات وقرارات نزع ملكية الأراضى من الأهالى، رغم أنها مسجلة بأسمائهم، وبعضها وضع يد يعود إلى 20 و30 عاما، وهو ما استندنا عليه فى الدعاوى أمام القضاء الذى قضى بتمليك الأراضى مقابل دفع ثمنها لمجلس المدينة.
الوضع فى مدينة القناطر السكنية لا يختلف كثيرا عن نواحيها السياحية، فالتدهور يسود الأنحاء، بداية من مقالب القمامة التى تملأ الشوارع والصرف الصحى، مرورا بالمواقف العشوائية والطرق غير الممهدة، فضلا على الأسواق العشوائية التى ترفض أن تقف فى المنطقة التى خصصتها المحافظة لضيق مساحتها، وتبقى عشوائية مدينة القناطر تثير التساؤل حول مصيرها فى حالة تحويل المنطقة السياحية إلى مدينة عالمية على حد قول المسؤولين. يقول علاء، أحد ساكنى المدينة، «من المهم أن تدرك الحكومة أن القرى الملاصقة للمنتجع السياحى الذى تنوى إنشاءه يجب أن يتم تطويرها وءمدادها بكل الخدمات اللازمة، فلا يجب أن نركز على الاستثمار وننسى حقوق المواطنين العادية».
القمامة التى تغطى أغلب شوارع القناطر، يفسرها علاء قائلا: «كانت سيارات المجلس فى البداية تلقى بها فى أرض فضاء بجانب مبنى مجلس المدينة، والتى كانت جزءا من النيل، لكنها جفت بسبب طرح المياه، ولأنها تعتبر فى مدخل المدينة، تم إخلاء الأرض، وأصبحت السيارات تلقى بالقمامة فى تجمعات داخل البلدة نفسها».
«القناطر»..خرابة تنتظر التطوير..وعود الحكومة مجرد كلام «مدهون بزبدة».. والأهالى يستغيثون من القمامة والإهمال و«غزو الحشرات»
الأربعاء، 02 أبريل 2014 09:02 ص
«القناطر» أصبحت خرابة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة