لا أظن أن هناك بلدًا قادرًا على تدمير منجزاته المدهشة مثلنا نحن المصريين، ولا أتخيل أن توجد حكومة على وجه الأرض تمتلك بلادة لا محدودة تجاه تراثها وحضارتها مثل الحكومات المصرية المتتابعة.
لو كنت سيئ الطالع تجول فى وسط القاهرة الآن لتجد العجب، ولترى كيف صارت هذه البقعة العزيزة مأوى للفوضى والقبح والقذارة بعد أن كانت كنزا معماريًا وأثريًا نباهى به العواصم العربية والأوروبية.
لقد استولى الباعة الجائلون على شوارع قلب القاهرة وأرصفتها، وأخفت الملابس الداخلية مداخل العمارات الجميلة التى يعود بناء معظمها إلى الربع الأخير من القرن التاسع عشر، وبات الضجيج سيد الموقف، وانتشرت الفضلات والقاذورات وبقايا الطعام، وتكدست السيارت والعربات والموتوسيكلات وفاح الجو بالعادم والروائح الكريهة. إنها الجريمة الكاملة فى حق البشر والحجر والشجر.
لا أعرف كيف ينام محافظ القاهرة؟ ولا كيف يبلع رئيس الحكومة ووزراؤه الطعام؟ بينما ملايين البشر تتعرض كل لحظة إلى مصائب جمة إذا عاقبتهم المقادير وفرضت عليهم المرور بشارع طلعت حرب، أو الذهاب إلى الإسعاف أو عبور باب اللوق أو الانتظار فى موقف عبدالمنعم رياض. كلها أماكن تهين المرء وتصيبه بالجنون والصداع وتسلبه الحق فى حياة كريمة.
أدرك جيدًا أن هذه الحال البائسة لوسط القاهرة يسأل عنها نظام مبارك فى المقام الأول، ثم الفوضى التى أعقبت ثورة يناير المجيدة، لكن هذا لا يبرر على الإطلاق أن تهمل الحكومة الحالية واجباتها وتعمل على استعادة البهاء لهذا الكنز المعمارى الذى شيده الخديو إسماعيل، وكم سمعنا أن اللواء فلان والوزير علان والمحافظ ترتان قاموا بجولات مفاجئة لفرض الانضباط فى هذه المنطقة المأساوية، وأنهم اتفقوا مع الباعة الجائلين على نقلهم لأماكن أخرى، لكننا نفاجأ أنه لا انضباط هناك ولا يحزنون، إذ سرعان ما يعود الباعة الجائلون إلى السطو على وسط البلد وتحويله إلى بؤرة عذاب للراكب والراجل والسائق.
إن الأمر بات لا يحتمل التأجيل، وإذا لم تجتهد الحكومة فورًا لتنتزع قلب القاهرة من المأساة الدائمة، فلتلملم أوراقها.. وترحل بعيدًا!
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
غياب هيبة الدوله والقانون والعداله يحولنا الى غابه ووحوش وغرائز لا يمكن كبحها
بدون