واستعرض أسامة عرابى، فى بداية الندوة، تاريخ علاقة الصداقة التى جمعت بين حسين البدرى والمناضل اليسارى الشهيد مينا دانيال، مشيراً إلى أن اللغة الرصينة أكثر ما يميز نصوص "البدرى"، مشدداً على محبته الكبيرة لصديقه الراحل، الممتزجة مع حلمهما بوطن حر يعيش فيه الناس بحرية وعدالة ومساواة.
وقال الناقد يسرى عبد الله، إن حسين البدرى يصدر نصه بعبارة دالة، "بعد الطوفان نلقى الصديق الزين، نستندوا على بعض بالكتفين"، ويضفر السياسى فى متن الفنى بلا صراخ، أو زعيق أو مباشرة، مشيراً إلى أن "صلوات سبع إلى روح صديقى الميت" تمثل جدلاً خلاقاً بين الخاص والعام، وبين تداخل الهموم والأحلام والإخفاقات الشخصية، وتصدع الأحلام الكبرى المحاصرة وسط عالم بالغ القسوة، وبالغ العتامة.
وأشار "عبد الله"، إلى أن ثمة تاريخ فارق ودال ينطلق منه النص"التاسع من أكتوبر عام 2011"، بوصفه تعبيراً عن إحدى انتكاسات الحلم، تاريخ من الألم، يلوح فيه مينا دانيال بوصفه رمزاً على وضعية مقاومة، فتبدو الكتابة هنا بوصفها خلاصاً من الوجع، واستعادة رفاقية بديعة لعوالم وبشر وأشياء تستعصى على الموت، وتستعصى على النسيان، ومن ثَمَّ يبدو العنوان المخاتل لحسين البدرى بوصفه قرباناً للشهيد، ووصلاً بين الموت والحياة، وتبدو النصية على دلالة الموت فى العنوان نصية على الحياة ذاتها، لنصبح أمام ذلك النوع من الغياب الذى يشى فى جوهره بالحضور، فيظل مينا دانيال بمثابة الشخصية الغائبة والمحركة للنص منذ المفتتح وحتى الختام، دون افتعال أو مزايدة.
وأضاف الناقد صاحب كتاب "جيل السبعينيات فى الرواية المصرية.. إشكاليات الواقع وجماليات السرد"، أن الكاتب حسين البدرى قسم نصه إلى خمسة أقسام: صلوات، وعطر الغياب، وما قبل الطوفان، وشغف يناير، ووصيته، وفى الصلوات نصبح أمام مقاطع سبعة أو "صلوات سبع" يستمد منها الكاتب عنوان كتابه، تبدأ بعتمة القمر الموحشة وتنتهى بعرق العمال، وما بين الرومانتيكى والواقعى تتحرك نصوص الكتاب معنية أكثر بالفضح والإدانة لمفردات واقع ضاغط على أفراده، وتبدو المجازات حاضرة وبقوة فى النصوص، ويبدو الانتقال السلس من المجازى التخيلى إلى الواقعى المتعين، عبر ذات ساردة مقموعة ومغتربة فى آن، لكنها تتشبث بالأمل وتنجو بالمقاومة من فخ الفقد والوحشة.
وقال الشاعر محمود قرنى، فى ورقته المعنونة بـ"حسين البدرى وصلواته السبع.. قراءة شعرية لنص خارج النوع"، إنه يحسد "البدرى" على نصه "صلوات سبع"، ولا يتمنى أن يكون فى مقعده، ليس لأن مقعده يمثل معادلة واطئة فى مكانه، بل ربما لأنه يمثل المرتقى الذى يجسد بحق تلك الـ"رهانات الخاسرة "، وهذا هو الاسم الذى حملته روايته الثانية، مشدداً على أن الصلوات هنا ليست مرثية لقيمة النبل والنقاء الثوريين اللذين غابا مع غياب وجه "مينا دانيال"، أحد أبطال ثورة الخامس والعشرين من يناير، بل ربما كانت مرثية لزمن بأسره، لقيمة لا نعرفها فى الموت، فهو بقدر عنفوانه وقسوته، إلا أنه سيظل عنواناً لتاريخ من فجائع الناس ومؤشراً على حروب التاريخ من أجل التواؤم مع مزيد من الخسارات، متسائلا: "هل سيطوى رجل جرب الموت وجربه الموت، مقعده وينام؟"، موضحا أنه فى روايته "رهانات خاسرة" يدفن السارد أعز أصدقائه بيديه، وفى صلوات سبع يعيد السارد الألم نفسه، فى موقع جديد وبوعى جديد أيضاً، مشدداً على أن الميتتين تشكلان خنجراً يستخدمه عادة أثرياء الحروب فى أعقاب هرج الثورات وغبارها، وعادة ما يصيبون فريستهم لتصدق الصورة التى يتلمسها الكاتب فى قوله "يموتون فى سبيل الوطن، ويعيش غيرهم لخيانته".
وأشار صاحب ديوان "قصائد الغرقى"، إلى أن الأحداث تظل تتأجج تحت فراش الكاتب، صاحب الفجيعة، المعرفى منها والجمالى، أسماء لرموز شكلت مخيلتنا بينما تكاد تحطم الإطار السردى لتقفز فى وجوهنا: رسامون، ثوار، شعراء، مأفونون، أرباب سوابق، أمهات، شهداء، فلاسفة، وخضم متلاطم من الانفلات الذى يفتقر إلى الكثير من الضبط، ربما هذا ما أحال تلك الكائنات إلى ملحمة لغوية متلألئة، لكنها طالما كانت طافحة بالألم، متوهجة تحت مسافات من الاجتراء والسفور، حتى لو أصابها العور فى بعض الأحايين، مضيفاً أن أسطورة حسين البدرى تتخلق فى تلك المرثية المبهرة فى لمسها الشغاف، عبر وجه مينا الرديف لغياب وجه الثورة، وجه مينا، رغم سطوته البادية، لم يأخذ من الكتاب سوى صورة باهتة على غلافه بينما اسمه لم يرد بهذا القطع بين سطوره أبداً، مشدداً على أن الإفصاح هنا ضد قيم الألم النبيل باعتباره معنى من معانى الذات، ومثل هذا الألم لا يجب أن يكون مادة للترخص أو المزايدة، لاسيما أن تجار الثورات تجاوزوا صناعها عبر التاريخ، وهذه عقيدة الكاتب الذى لا يفصل، فيما يبدو بين النص وكاتبه من ناحية وبين منظومته الأخلاقية من ناحية أخرى، لذلك تمسك السارد، أو المغنى إن شئنا، بهجر الإفصاح.
وأوضح محمود قرنى، أن صلوات حسين البدرى نص ينطوى على بلاغته الخاصة، رغم اعتماده على التداول السردى وليس البلاغة اللغوية، مشيراً إلى أن مركزية الذات ما زالت تلعب دوراً يبدو رابطاً وحيداً لمفاصل تلك الكتابة، فضمير الغائب حاضر على مدار النص، وهناك إذن منشد وهناك آذان، وهو ما يتطلب بالضرورة وجود خطاءين وأوابين، هناك الثورة، وهناك نبلاؤها، هناك الثورة وهناك خونتها، هناك نسك ونساك وهناك انتهازيون وقطاع طرق، مضيفاً أن الكاتب لا ينشغل بالنظر إلى النص متجاوز الأنواع باعتباره تراكماً معرفياً، رغم تراكم الرموز التاريخية فى النص، ومن ثَمَّ لم تكن فكرة الوظيفة إحدى انشغالاته سوى بالقدر الذى يعزز مساحة الحرية الجمالية، وما يمثلها معرفيا، لافتاً إلى أنه يظل أقرب روحياً إلى الشعرية الجديدة، وأكثر تماساً معها، لأنه جاء استجابة لعدد من المعايير منها تهميش البلاغة اللغوية فى إنتاج النص على نفقة البلاغة التى تتخلق متواترة فى نص ينحو بطبيعة تكوينه إلى الملحمية، مشدداً على أنه لم يُعلِ من شأن الموقف الأيديولوجى على كثافة النص، ومن ثم انتقل الولاء إلى الموقف الإنسانى بعامة فى صورة الإنسان المسحوق والمقهور فى مواجهة أنظمة اجتماعية وسياسية قاسية أنهت حياة الثوار بالقتل فى نهاية الأمر.
.jpg)
.jpg)
.jpg)
.jpg)