حدثت الفتنة ولا أحد يعلم من أيقظها، ولا تزال أصابعها تراوغ وتثابر لتنفث الدخان وسط سخونة المشهد وزحام الأحداث التى ما كان لأحد أن يتوقع حدوثها على أرض أسوان، هذه المدينة المعروف عن أهلها الطيبة وهدوء الطباع، فمهما اختلفت الانتماءات الدينية أو السياسية أو الفكرية أو العرقية، فالدم واحد وهو مصرى والأرض واحدة وهى مصر.
استيقظت مصر على فاجعة لا يمكن وصفها بأقل من ذلك، تعددت أسبابها وتخطت أبعادها تراخياً أمنياً أو قصوراً تنفيذياً لتطال ما هو أعمق، فحالة الاندهاش والتعجب مما حدث هى أول ما هيمن على عقل الكثيرين؟ ثم تبدأ التساؤلات فى استكشاف الحقائق، ماذا حدث؟ ولماذا ؟ وكيف؟ وأين منظومتنا القيمية والأخلاقية ؟ وأين دور أهل الحل والعقد من الطرفين؟ ولماذا لم يتمكنوا من إخماد نار الفتنة قبل أن تستعر وتلتهم ما حولها؟
لا شك أن الشخصية المصرية أصابها الكثير من العطب خلال السنوات الماضية، فلم نعد نحتمل الحوار مع بعضنا بعضاً فإما ينتهى بخصومة أو بعراك، وفى أفضل الأحوال قد ينتهى إلى لا شىء. وهذا التعصب الفكرى لا ينفصم عن التعصب القبلى فهذا الأخير قد يؤدى إلى نتائج كارثية كالتى آلت إليها الأحداث فى قرية السيل بأسوان. مضافاً إلى ذلك الخلل فى الفهم والوعى الجمعى عند كثير من المصريين حيث عَلت نبرة الفردية المنبعثة من التفسير المغلوط لفكرة الحرية. هذا فضلاً عن حالة الفراغ الأمنى وانتعاش تجارة السلاح فى كافة أرجاء البلاد ولاسيما فى الجنوب وتفشى ظاهرة حيازة السلاح المتطور نوعياً وكمياً والتى بلغت مبلغاً من التباهى والمفاخرة بين العائلات فى كثير من قرى صعيد مصر.
ولكن يظل انعكاس المعالجة التقليدية لأزمات الدم والعنف العائلى والقبلى فى محافظات الصعيد خلال العقود الماضية هى العامل الأكثر خطورة على الصعيدين الأمنى أو الاجتماعى، فهى بمثابة النار تحت الرماد. فالقبول باجتماعات الصلح والمجالس العرفية وتطور الأخذ بها كمسكن وليس علاجاً نافذاً، مما جعل القائمين عليها يضعونها - خطأً - بمرتبة القانون، وهكذا أصبحت العادة قانون، تناسوا عمداً إنفاذه.
وحتى يجرى القانون مجرى السيل ولكى تتحقق هيبة الدولة ليس أمامنا سوى إرساء مبدأ سيادة القانون على الجميع، غنياً أو فقيراً، كبيراً أو صغيراً، رجلاً أو امرأة، أبيض أو أسود، غير ذلك فإننا نفتح لأنفسنا قبراً كبيراً يدفع بعضنا بعض إليه. فعصا القانون هى الملاذ لمواجهة أى خروج عن الآداب وعن الأعراف أو القواعد، مهما كان عدد المتورطين فى أعمال التحريض أو القتل وبغض النظر عن أى طرف هم ينتمون، فالقصاص هنا ليس لأهلية هؤلاء أو هؤلاء وإنما للمجتمع ككل، ولمن بيده هذه العصا أن يتسم بالحسم لا بالعنف، وبالعدل لا بالظلم، فلن تستقيم حياة ولن تنهض أمة مات العدل فيها.
السيد عبد الوهاب يكتب: حتى يجرى القانون مجرى السيل
الخميس، 10 أبريل 2014 02:02 م