تحتاج مصر الآن وفى العشرة أو الخمس عشرة سنة القادمة إلى البحوث التطبيقية والتطوير فى المجالات المهمة، نحن نحتاج إلى أبحاث تطبيقية فى مجالات عديدة، مثل مجالات الطاقة بأنواعها، سواء الطاقة المتجددة (الطاقة الشمسية والرياح) والطاقة النووية، أو الوسائل التقليدية مثل استخدامات الغاز ومجالات الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات، ومجالات الطب والتصنيع الدوائى والزراعة لتحسين الإنتاج والصناعات الزراعية، ومجالات البترول والغاز والثروة المعدنية والمياه، والتطبيقات العملية للنانوتكنولوجى.. هذه أمثلة من مجالات كثيرة تحتاجها البلاد وبالطبع مطلوب دراسة كاملة عن احتياجات البلاد وتحديد الأولويات.
ولو كنت صاحب القرار والمسؤول عن البحث العلمى وفى ظروف مصر الحالية أو فى المستقبل القريب فى العقد القادم، فإننى سأخصص الغالبية العظمى من ميزانية البحث العلمى للبحوث التطبيقية والتطوير وتطوير التكنولوجيا بأكثر من (90 - 95%) من الميزانية المتوفرة، وأخصص ما لا يزيد على (5 - 10%) للبحوث الأساسية، وحتى يتم ذلك لا بد من أن أضمن أن البحوث الأساسية تكون محددة فى مجالات جديدة وفريدة من نوعها ولها القدرة على المنافسة على مستوى البحث العالمى.
وفى الواقع حقيقى، فإن الباحث له الحرية فى العمل فى المجال الذى يختاره، إذا كان الباحث يريد التركيز على البحوث الأساسية فعليه ضمان التمويل المالى المستمر للقيام بهذا العمل، والواقع أن من الشروط الأساسية لنجاح واستمرارية البحث الأساسى هو استمرار التمويل المالى، لا بد أن نعرف أيضاً أن نتائج البحث الأساسى قد تجنى ثمارها بعد سنوات طويلة قد تكون أكثر من 30 سنة، وأن الكثير من نتائج البحث الأساسى لا تستخدم، فهل مصر الآن وفى حالتها الحرجة سواء الاقتصاديه أو التعليم المدرسى أو الجامعى، ومع ضعف الإنفاق على البحث العلمى الذى هو دون المستوى قادرة على الإنفاق على أبحاث قد تجنى ثمارها بعد (30-50) سنة.
فى الوقت الحالى علينا أن نعلن حالة الطوارئ فى مجالات البحوث التطبيقية والتطوير وتوجيه الجامعات ومراكز البحوث إلى التركيز على ما تحتاجه البلاد فى العشرة أعوام القادمة. ولكن نحن لا نستطيع فى هذه الفترة وفى خلال السنوات القادمة أن نعمل فى مجالات طويلة المدى.
حتى عند اختيار مجالات البحث الأساسى لابد ألا ننسى أننا نعيش فى عالم بحثى متطور وجامعات ومعاهد بحثية متقدمة وعلى مستوى عال جدًّا فى البلاد المتقدمة، وحاليًا لا يمكن دخول البحث العلمى بقوة، بدون التغيير الجذرى فى التعليم المدرسى والجامعى والجامعات والمعاهد، ولكن يمكن الامتياز فى مجالات البحث التطبيقى والتطوير التى لها تأثير مباشر على ما تحتاجه مصر، عندما نصل إلى المرحلة التى تؤدى إلى التقدم وزيادة ميزانية البحث العلمى والتطوير إلى المستوى المطلوب التى لابد ألا تقل عن (2 - 4%) من قيمة الناتج الإجمالى المحلى (GDP) لمصر يمكن تخصيص نسبة أعلى من الإنفاق على البحوث الأساسية وحسنا ما فعله الدستور المصرى فى تعديله برفع ميزانية البحث العلمى.
وأدلل على أهمية رفع ميزانية البحث العلمى بالقول إن إسرائيل تلك الدولة الصغيرة التى لا يزيد عدد سكانها على (8) ملايين نسمة وتصرف أعلى نسبة فى العالم من الناتج الإجمالى المحلى لها على البحث والتطوير بما يقارب (4.2%) فى هذه الحالة نكون قادرين على تخصيص جزء كبير للبحوث الأساسية.
ولكى أبسط المسألة أقول إن الكثير يعرف الدكتور أحمد زويل الحاصل على جائزة نوبل من حوالى 13 عاما، ولكى يحصل على هذه الجائزة العظيمة لا بد أن يعمل فى مجاله لسنوات طويلة قبل الوصول إلى اكتشافه العلمى الذى يؤهله للترشح للجائزة، والعمل فى هذا المجال قد يقارب (25) عاماً وأكثر، والأسئلة التى نطرحها:
1 - هل يمكن العمل المتواصل فى هذا المجال بدون التمويل المالى الكافى المتواصل؟ الإجابة بالتأكيد لا يمكن، ففى هذه الحالة فإن الهيئة القومية الأمريكية للعلوم كمثال هى التى تمول هذا النوع من الأبحاث.
2 - هل هناك أى بحث تطبيقى نشأ عن هذا البحث والاكتشاف الأساسى؟ الإجابة لا نعرف ولكن فى الغالب لا.
3 - هل دور الدكتور زويل هو تحويل اكتشافه الأساسى إلى تطبيق عملى؟ الإجابة أيضا لا، لأن هذا ليس طبيعة عمل الباحث الأساسى.
4 - استخدام الطريقة المعملية التى اكتشفها الدكتور زويل لدراسة التفاعلات الكيميائية ما بين ذرات المواد فى إمكانية التحكم فى خواص المواد، هو فى الواقع دور الباحث التطبيقى الذى يحدد كيفية استخدام هذا الاكتشاف وأهميته للمجال التطبيقى.
وعن الدكتور أحمد زويل سيكون حديثنا عن مشروعه «مدينة زويل العلمية» فى مقال قادم..
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة