الأزهر يطلق مبادرة دولية "للتعارف" بين الأمم والشعوب.. الإمام الأكبر يدعو إلى فتح قنوات اتصال بين علماء الأمة وصناع القرار من السياسيين.. الطيب: النظام الأساسى للأمم المتحدة لا يسمح بنشر سلام حقيقى

الأحد، 09 مارس 2014 03:20 م
الأزهر يطلق مبادرة دولية "للتعارف" بين الأمم والشعوب.. الإمام الأكبر يدعو إلى فتح قنوات اتصال بين علماء الأمة وصناع القرار من السياسيين.. الطيب: النظام الأساسى للأمم المتحدة لا يسمح بنشر سلام حقيقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ألقى الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف كلمته أمام" منتدى تعزيز السلم فى المجتمعات المسلمة".

وقال شيخ الأزهر إن الحديثَ عن السَّلام حديثٌ مُتشعِّبُ النواحى والاتِّجاهات، ولا يُمكِن أنْ تُستَقصَى جوانبُه فى كلمةٍ كهذه محدودةِ المِساحةِ والزمَنِ، ولا تزالُ التساؤلاتُ حول السلامِ" ومعناه، وعلاقتِه بحُقولِ المعرفةِ البشريَّةِ الأُخرَى مفتوحةً تُحسَم حتى يومِ الناسِ هذا.
وأشار الطيب أن السلام علم خاص به يُبحَثُ فيه عن السلامِ وعن الحُروب وأسبابِها، وارتباطِ كلِّ ذلك بالعُلومِ الاجتماعيَّةِ والسياسيَّةِ والدِّراساتِ الاستراتيجيَّةِ والعُلومِ العسكريَّة، بل وعلوم الأخلاق، ولا يَزال فلاسفةُ التاريخِ يَنقسمونَ حولَ علاقة السلامِ بالإنسان؛ فمنهم مَن يَذهَبُ إلى أنَّ "التاريخَ البشرى إنَّما هو تاريخُ بُحَيراتٍ دَمَويَّةٍ"، ومنهم مَن يَذهَبُ إلى أنَّ"السلامَ" هو القاعدةُ فى حياةِ البشَرِ، وأنَّ الحربَ أو العُنفَ استثناءٌ وشُذوذٌ من القاعدة، أما الإسلام فيرى أن "السلامِ" هو الأصلُ فى العلاقاتِ الدوليَّةِ، وفى علاقةِ الناسِ بعضِهم ببعضٍ، وأنَّ الحروبَ ضرورةٌ واستثناءٌ، يضطرُّ إليها المسلمون فى حالةٍ واحدةٍ هى الدِّفاعُ عن أنفُسِهم أو أراضِيهم أو عقيدتِهم ضدَّ عُدوانٍ مُحقَّقٍ.

وأكَّد شيخ الأزهر أنَّ الحَضاراتِ الكُبرَى المُعاصِرةَ الآن لا تَجِدُ بأسًا إذا أعوزَتْها أسبابُ الفِتَنِ والحُروب أنْ تَختَرِعَ لها عَدُوًّا تُدِيرُ عليه رَحى الحَرْبِ؛ وتَنقِلُ إليه بُؤَرَ التوتُّرِ والعُدوانِ والقِتال بعيدًا عن أراضيها وشُعوبِها.. وهذا السُّلوكُ الذى تتَّخِذُه بعضُ الكِياناتِ السياسيَّةِ المُعاصِرةِ هو – لا شَكَّ – دعوةٌ سافرةٌ إلى وَأدِ السِّلم والسلامِ العالميَّين وتشجيعِ العُدوانِ، وخُروجٌ على كلِّ الأُطُرِ الأخلاقيَّةِ والإنسانيَّةِ التى تجعَلُ من "السلامِ" أبسطَ حقٍّ من حُقوقِ البشَرِ، والمجتمعِ الإنسانى.

وأضاف : "وإنِّى وإنْ كُنتُ لا أُعوِّلُ كثيرًا فى تفسيرِ مَصائبِنا التى تُحدِقُ بنا فى الشَّرْقِ على نظريَّةِ "المُؤامرة" التى تجعَلُ مِن التَآمُرِ الغربِى باعثًا رئيسًا لمُشكلاتِنا فى الأمنِ والاقتصادِ والصحَّةِ والتعليمِ -إلا أنّ المسرحَ الذى تتتابَعُ على خشبتِه هذه الأحداثُ البَشِعَةُ هو مسرحٌ عبثى وفوضوى يُشِيرُ بكلِّ قوَّةٍ إلى هذه الأيدى الخفيَّةِ السوداءِ التى تُمسِكُ بخُيوطِ اللُّعبةِ الماكِرة وتُحرِّكُها من وراء سِتارٍ".


وقال شيخ الازهر إنَّ القائمين على مُؤسَّسةِ الأُمَمِ المتحدةِ والإعلانِ العالمى لحقوقِ الإنسانِ، والذين حدَّدوا بكلِّ وضوحٍ فى المادَّةِ الأولى من مِيثاقِ هذه المؤسَّسةِ: حِفظَ السَّلامِ والأمنِ الدوليَّينِ ومبدأَ المُساواةِ بين الدولِ الأعضاءِ وتحريمَ استخدامِ القوَّةِ، أو مُجرَّدَ التهديدِ بها فى العلاقات الدوليَّةِ، والامتناعَ التامَّ عن "التدخُّل فى الشُّؤونِ الداخليَّةِ للدولِ"- هؤلاء لم يكونوا جادِّين فيما يَقولونَ.

وتابع أن القائمين على المؤسسة زعموا أن ما يَضعون من مَواثِيقَ من أجلِ الإنسان ومن أجل الحفاظ على حقوق الدُّولِ، وبحيث لا تتميَّز فيها دولةٌ عن دولةٍ، ولا يتفاضَلُ فيها الإنسانُ الغربى عن أخيه الشرقى، ومن ثَمَّ لم يكن غريباً أن نرى منظمةً كمنظمةِ الأُمَمِ المتَّحدةِ عاجزةً عن القيام بأى دورٍ فى رَدْعِ كثيرٍ من السِّياسات الجائرةِ والظالمةِ، ورغمَ مُرورِ ستَّةٍ وستين عامًا على مُنظَّمةِ الأُمَمِ المتَّحدة التى أُنشِئت من أجلِ مُواجهة تهديداتِ السَّلام العالمى، ووَقْفِ أعمال العُدوان بين الدُّولِ وفرضِ الاستقرارِ والسِّلمِ فى ربوع الأُمَمِ والشعوب، إلا أنَّ القُوَى الكُبرى فى العالَم لا زالت تمنَحُ السَّلامَ للأُمَمِ وتمنَعُه عنها حَسَبَ مَصالِحها الشخصيَّةِ، وحَسَبَ نظامِ الهَيْمنةِ، وحَسَبَ منهجِ الظُّلمِ الذى تُبرِّرُه القاعدةُ اللا أخلاقيَّةُ عندَهم، وهى القاعدةُ التى تُقرِّرُ أنَّ «الغايةَ تُبرِّرُ الوسيلةَ".

وأضاف: أنَّ النظامَ الأساسى للأممِ المتحدةِ ومَواثيقِها ومُؤسَّساتِها الكُبرَى، لا يَسمحُ بنَشرِ سَلامٍ قائمٍ على قِيَمِ العدلِ والإنصافِ ومُراعاةِ حُقوق الآخَرينَ.

بل إنَّ من أخطَرِ عَوامل الهَدمِ للسَّلامِ العالمى هو ما يُسمَّى بحقِّ: الفيتو" أو "النَّقض" والإسرافَ فى استِخدامِه، والذّى يَغُلُّ يدى هذه المُنظَّمة عن مُلاحَقة المُجرِمين وإقرارِ "السَّلامِ العادلِ" فى كثيرٍ من مَناطِقِ التوتُّرِ العالمى، بل ذهَب كثيرٌ من المحلِّلين إلى أنَّ الفيتو الأمريكى فيما يتعلَّقُ بالنِّزاعِ الصهيونى الفلسطينى هو أهمُّ أسبابِ الإرهابِ الدولى والتشجيعِ عليه.

وقارن شيخ الأزهر بين المِيثاق الدَّولى الذى أعلَنَه نبى الإسلامِ محمدٌ - صلى الله عليه وسلم - فى خُطبتِه فى حَجَّةِ الوَداع، وقرَّر فيه حُقوقَ السلامِ والعدلِ والمُساواةِ بين الناسِ. وبَيْنَ مِيثاقِ الأُمَم المتحدةِ فى هذا المجال، وكيف أنَّ المِيثاقَ النبوى حَقَّقَ أهدافَه كاملةً غيرَ منقوصةٍ فى نَشْر السلامِ العالمى، بينما أخفَقَ إعلانُ الأممِ المتحدةِ فى إنشاءِ مَظَلَّةٍ دوليَّةٍ تُنصِفُ المظلومين من المُتربِّصين بها من خارجِ هذه المُنظَّمة، أو حتى من بين أعضائها أنفسِهِم.

وعلَّل شيخ الأزهر ذلك بأنَّ نبى الإسلامِ – صلوات الله وسلامه عليه -كان صادقًا فى دَعواه فى نشرِ السِّلمِ وتحقيق العَدل والمُساواة بينَ الناس، وأنَّه لم يَكُنْ يعمَلُ من أجلِ الإنسانِ العربى أو الإنسانِ المُسلِمِ دُونَ غيرِهما من سائرِ الناسِ، بل كان يُكرر فى خِطابِه هذا نداءه للناس جميعا، بعبارته الشريفة: "لِيُبلِّغ الشاهدُ منكم الغائبَ"، بل إنه كثيرًا ما تحدَّى - صلى الله عليه وسلم - أصحابه بأنَّ مظلَّةَ الأمنِ والسِّلمِ سوفَ تنشُرُ آفاقَها على البلادِ والعِبادِ فى فترةٍ وَجيزةٍ: "...وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إلى حَضْرَ مَوْتَ لا يَخَافُ إِلاَّ اللَّهَ أَو الذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ، وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ".

وأردف: أمَّا القائمونَ على المُنظَّمات الدوليَّةِ التى أخَذَت على عاتِقها نشرَ السلامِ فى العالَمِ فإنَّهم لم يكونوا صادقينَ فى دَعواهُم، بل كانوا يُفرِّقون فى دَخائِل أنفُسِهم بينَ الغربِ والشرقِ، وبين حقِّ الإنسانِ الغربى فى الأمنِ والسلمِ وحقِّ غيرِه من سائرِ الناس، وإلا فقولوا لنا: لماذا تخلو أوروبا وأمريكا من بُؤَرِ الصِّدامِ والاقتِتال، بينما تُصنَعُ صُنعا أسبابُ الصِّدامِ فى الشرقِ وإفريقيا وبلادِ المسلمين على وجهِ الخُصوصِ؟! إنَّنا نعلَمُ عِلمَ اليَقِين أنَّ مَصانِعَ السلاحِ فى الغربِ لا تتوقَّفُ عن الدَّوَرانِ لحظةً واحدةً، فإذا كان مَمنوعًا أنْ يَعمَل هذا السلاحُ فى الغربِ، أو أنْ يتوجَّه إلى صُدور الغربيِّين، فأين يَعمَل إذن هذا السلاحُ؟ ولمَن يتوجَّهُ؟ إذا لم يَعمَل فى الشرقِ وفى صُدورِ أبنائِه وبناتِه؟!

وشدَّد الطيب أنَّ آفةَ الآفاتِ فى فلسفةِ "السلامِ" أنْ يَرتَبِط بمقاصدِ السياساتِ الدوليَّةِ ومِزاجها المُتقلِّب، وأنْ يتخلَّى عن مَقاصِدِ الأخلاقِ وغاياتِها الثابتةِ، وفى هذه الآفةِ يَكمُن الفرقُ بينَ نَظرةِ الرِّسالاتِ الإلهيَّةِ لمَفهوم "السَّلامِ" وضَرورتِه القُصوَى كشرطٍ أساسٍ للتقدُّمِ والرُّقى والرفاهيةِ وبينَ معنى "السلامِ" فى مفهومِ الأمزِجَةِ البشريَّةِ المُتقلِّبة حِينًا، والمُتَصارعةِ حِينًا، والظالمةِ حِينًا آخَر.

واستعرضَ الطيب أهميَّةَ "السلامِ" فى الإسلامِ، ليس للإنسانِ فقط، بل للحيَوانِ والنباتِ والجمادِ أيضًا؛ فضَرورةُ السلامِ للإنسانِ فى الإسلامِ تَنبُعُ من أنَّ الإسلامَ يُسوِّى بينَ الناسِ جميعًا فى الحُقوقِ والواجباتِ، وأوَّلُ هذه الحقوقِ هو حقُّ "الاختلافِ"، فاللهُ خلَقَ الناسَ مُختلفِين {وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ}"هود: 118"، وإذا كان الاختلافُ مَشِيئةً إلهيَّةً فى خَلقِ الناسِ لا رادَّ لها؛ فإنَّ العلاقةَ بين المُختلفِين - فيما يُقرِّرُ الإسلامُ - هى علاقةُ التعارُفِ والالتقاءِ والتعاونِ على البرِّ والتقوى.. و"السلام" هو مُقتَضى علاقةِ التعارُفِ ولازِمُها الأوَّل.

وأوصى هذا المنتدى أنْ يتبنَّى قاعدةَ "التعارُف" التى وردت فى قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} "الحجرات : 13"، وأن ينشط اليومَ - وليس غدًا - لتَعزِيزِ السلمِ فى المُجتَمعات العربية والإسلامية، وأنْ يَتوسَّلَ لذلك بفتحِ قَنَوات اتِّصالٍ مُباشِرٍ بينَ العُلَماءِ والحُكَماءِ وبينَ صُنَّاعِ القَرار من السياسيِّينَ فى الشرقِ والغربِ، وأنْ يدعو إلى ترسيخِ قِيَمِ السلامِ والأمانِ والأُخوَّةِ والمحبَّةِ عبرَ برامجِ الحوارِ، وعبرَ برامجَ تعليميَّةٍ لتربيةِ النَّشءِ والأطفالِ على اختيارِ المُمارَسات السلميَّة فى الحياةِ اليوميَّةِ.

وطالب بتحرك فورى من أجلِ دعوةٍ عامَّةٍ لعُلَماءِ المسلمين للجُلوس بقُلوبٍ صادقةٍ ومُخلصةٍ لا تَشوبُها شوائبُ المصالح والأغراضِ والانتماءاتِ الصغيرةِ، التى كانت ولا تزالُ سببًا فى تأخُّرِ أمَّتِنا العربيَّةِ والإسلاميَّةِ، وتفكُّكِها وضَعفِها وهَوانِها على الناسِ، وما لم يتَّفِقِ العُلَماءُ على إقامةِ السلامِ العادِلِ بينَهم أوَّلًا، فلا أملَ فى أنْ يَسوسُوا الناسَ بقِيَمِ الحقِّ والخيرِ والجمالِ، كيف وفاقِدُ الشيءِ لا يُعطِيه، والذى يَعجِزُ عن قيادةِ نفسِه هو عن قيادةِ غيرِه أعجَزُ.

وفى نهاية كلمته تقدَّم الإمام الأكبر بالشكر لدولة الإمارات الشقيقة على أنْ فطنت لخطَرِ موضوعِ السِّلم والأمن الاجتماعيَّين، وحاجة العالمِ المُلِحَّةِ - الآنَ - إلى إحياءِ مفهومِ السلامِ العادلِ، وإلى تطبيقِه وتنزيلِه على واقعِ الناسِ، الذى عانَى ويُعانِى الأمرَّين بسبب غِياب هذا المفهومِ فترةً تَزيدُ على نصفِ قَرنٍ.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة