إذا زرعت الرحمة فى قلب المؤمن، فلا بد أن تثمر هذه الرحمة عدة ثمرات، ومنها إدخال السعادة والسرور على قلبه أولا ثم قلوب غيره من المؤمنين، وتثمر أيضا الإسراع فى عمل الخير والتسابق على فعله قال تعالى "أولئك يسارعون فى الخيرات وهم لها سابقون" المؤمنون 61، وهذا فيه رحمة بالمؤمنين، وأيضا تثمر المودة والعطف والتراحم فيما بينهم، قال تعالى "أشداء على الكفار رحماء فيما بينهم" الفتح 29، ونبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) هو خير دليل على وجود الرحمة فيما بيننا، فهو الرحمة المهداة لنا من رب العالمين قال الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم): "إنما أنا رحمة مهداة"، وقال تعالى فى نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم): "فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فأعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم فى الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين" أل عمران 159، فلم لا نقتضى برسولنا الكريم محمد (صلى الله عليه وسلم)، ونكون لينين فيما بيننا رحماء على الآخرين قدوة به.
ومن رحمات الله علينا أن وهبنا نعما كثيرة لا تعد ولا تحصى، ولن أستطيع أن أحصيها كلها، ولكن سأكتفى ببعض منها، فعندما خلق الله أدم عليه السلام لم يتركه بمفرده بل خلق له من نفسه زوجة يأنس بها وجعل بينهما مودة ورحمة قال تعالى: "وجعل بينهما مودة ورحمة" الروم 21، وعندما عاقبهما لمعصيتهما وأنزلهما الأرض جعل الأرض ممهدة لهما ليعيشا فيها ويعمروها هما وأولادهما وهذا فيه رحمة من الله بنا جميعا، ومن رحمات الله بنا أن يرزق الإنسان أسرة طيبة وزوجة صالحة تكون أما صالحة لأولاده، تساعد زوجها على طاعة الله والعمل على رضاه، فالزوجة الصالحة هى مفتاح الجنة لزوجها وأولادها. ولهذا حديث آخر، وخلق الله لأدم وزوجته وذريتهما السماء بدون عمد يرونها وهى تحميهم وتظللهم وخلق لهم الشمس لتدفئتهم وتحميهم من لسعات البرد القارص والتى لا نعرف قيمتها إلا عندما يشتد البرد علينا فندعو الله أن يدفئنا بها وأيضا خلق القمر الذى يضئ الكون بضيائه فنعرف جميعا طريقنا ونعرف عدد الشهور والحساب، وخلق من الدواب والأنعام لكى يطعمنا بها ونركبها كى نصل إلى الأماكن البعيدة رحمة بنا، قال تعالى: "والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون" النحل 6.
وخلق لنا الأنهار لكى نشرب منها والجبال لكى نأوى إليها ونحتمى بها من الأمطار ومن البرد القارص فى الشتاء، ولا ننسى الأمطار فهى من رحمات الله علينا ليسقى بها الأرض لتنمو بها الزروع والثمار التى نحتاجها لبناء أجسامنا، وحتى النار التى خلقها الله لنا نستدفئ بها من برد الشتاء وبها نسوى طعامنا ولها فوائد كثيرة وهى جزء صغير من نار جهنم التى أعدت للكافرين والعاصين حفظنا الله وإياكم منها، ولم يتركنا الله نتخبط فى ظلام الجهل فأرسل لنا الرسل واحدا تلو الآخر، وجعل لنا منهاجا نسير عليه ودينا ننتمى إليه ونبيا نتبعه، كما أنزل القرآن الكريم على نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) فقد أنزله الله رحمة بنا وفيه الكثير من المعجزات العلمية والاختراعات المفيدة والتى يظهرها الله لنا فى الوقت المناسب رحمة بنا، وهذه الرحمة تفضل منه سبحانه وتعالى وإحسان منه على عباده وهى رحمة واسعة وسعت كل شىء، فكل هذه النعم التى لن أستطيع أن أذكرها أو أحصرها فهى من رحمات الله فهو من خلقنا وهو من يحمينا ويرحمنا، والله يرزق الجميع حتى العاصى والكافر منا ويتوب عليه رحمة به ويعفو عنه ويغفر له ذنوبه ويرحمه قال تعالى: "قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم" الزمر 53، فقد أعطى الأمل لكل مذنب أو عاصى فرصة التوبة إلى الله رحمة بهم فهو الرحمن الرحيم فالرحمة اسم من أسماء الله تعالى وهو أرحم بنا من أمهاتنا التى ولدننا.
ونجد العديد من رحمات الله أيضا موجودة بالإنسان نفسه كنعمة البصر والسمع والشم واللمس والعديد من النعم بداخل الإنسان لا دخل للإنسان فى تشغيلها، وإلا فسدت كالقلب والرئة والجهاز الهضمى كله، أما العقل فهو نعمة كبيرة من الرحمن التى منحها الله للإنسان رحمة منه بنا كى نعقل الأشياء به، ونحسن التعامل فيما بيننا، كى لا نكون كالحيوانات بلا عقل، وهذا أيضا من رحمات الله بنا، فيجب أن ننميه ونحرص عليه فهو ما يفرقنا عن بقية خلقه، والنوم أيضا من رحمات الله لا يعرف قيمته إلا من حرم ولو لأيام قليلة منه فقد يؤدى هذا لذهاب عقله لو لم ينم، فهو من رحمات الله علينا، وأيضا نعمة الإخراج فهى رحمة من رحمات الله فهى تخلصنا من الفضلات والسموم التى بأجسامنا فنكون أصحاء معافين بأمر الله، وقد خلقنا الله ولم نختر نحن يوم مولدنا أو أين نولد؟ ومن أبوينا؟ ولا نذكر حتى أين كنا قبل أن توضع الحياة فينا وهذا لحكمة الله يعلمها وحده فهو خالقنا وهو أيضا موزع الأرزاق يرزق من يشاء بغير حساب أو يقطر عمن يشاء، فله الأمر من قبل ومن بعد، وهو الرحمن الرحيم.
ولا نعرف أيضا متى نموت أو أين؟ قال تعالى: "إن الله عنده علم الساعة وينزل الغيث ويعلم ما فى الأرحام وما تدرى نفس بأى أرض تموت إن الله عليم خبير" لقمان 34 ولم يخبرنا به وهذه من رحمات الله بنا فتصوروا لو أن كل منا يعلم يوم وفاته ماذا كنا نفعل؟ ومن رحمات الله أيضا بنا بعد مماتنا أن نعرف أحوال أولادنا وأهلنا ونطمئن عليهم قال الإمام مالك: بلغنى أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت, والراجح أن الأرواح فى البرزخ متفاوتة فمنها من هو فى أعلى العليين وتذهب وتجئ فى السموات والأرض حيث شاءت ومنها من هو حبيس فى قبره أسير عقوبة ذنبه, ومنها ما هو بين ذلك مستقر بفناء قبره، اللهم ارحمنا جميعا برحمتك وانعم علينا ببركاتك.
ومن رحمات الله أيضا بنا تطبيق شرع الله الذى أنزله بالقرآن الكريم والعمل به فهو من رحمات الله، تصوروا لو أنه لم يكن هناك منهج نسير عليه وشرع نطبقه ونعمل به، فأعتقد إنها لا تصبح حياة بل غابة يأكل فيها القوى الضعيف، وتنتهك بها الحرمات وأيضا اختلاف الأئمة هو أيضا من رحمات الله بنا، وإن كان تطبيق شرع الله فيه ما يبدو لنا من شدة فى الأحكام ففيه رحمة لنا والأمثلة كثيرة على ذلك كالقصاص مثلا قال تعالى: ( ولكم فى القصاص حياة يا أولى الألباب لعلكم تتقون ) البقرة 179، والطلاق أيضا بالرغم أنه ابغض الحلال عند الله ولكنه يحل مشاكل كثيرة ورحمة بالمسلمين ليعيشوا حياتهم، كما يريدون فى حدود شرع الله ولا ترتكب بذلك المعاصى والذنوب والآثام، فهو من رحمات الله أيضا بنا لنعيش فى النور ونبتعد عن الظلام، وغير ذلك الكثير مما يجب تطبيقه فى الشرع فيكون ذلك رحمة بنا جميعا.
ومن رحمات الله بنا أيضا أن هناك حسابا وعقابا لنا فى الآخرة فنخاف من عقاب الله ونطمع فى رضاه ومحبته ودخول جنته، ونحرص كل الحرص على ألا نغضب رب العالمين لكى نحصل على رضاه ونفوز بجنته ورحمته، ولو لم يكن هناك حساب تصوروا ماذا كان سوف يكون حالنا؟ والأمثلة كثيرة يا ليتكم تذكرون ما لديكم أنتم كدليل على وجود الرحمات الواسعة التى يشملنا الله بها بوجودها فى حياتنا جميعا.
فلنتراحم عباد الله جميعا فيما بيننا كى تتنزل علينا رحمات من الله وعفو ومغفرة ورضوانا من الله ملك الملوك والرحمات.
(فمن لا يَرحم لا يُرحم).
