محمد عبد الحكم دياب

مدخل إلى عقد اجتماعى جديد وبرنامج وطنى جامع

الجمعة، 07 مارس 2014 07:08 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مرت ثلاث سنوات على ثورة ٢٥ يناير المجيدة، وما زال الشعب المصرى على عهده معها؛ وفيا لها، مدافعا عنها، وصلبا، قوى الإرادة؛ صامدا فى وجه المؤامرات الداخلية والإقليمية والدولية، وبهذا تمكن من مقاومة الإرهاب الأسود، ومن تحدى العنف المسلح، وانفَض من حول جماعات الفتنة الطائفية والمذهبية؛ وهى جماعات تمثل ظهيرا عدوانيا لجماعة الإخوان، وتنشر الترويع والرعب بين المواطنين. ويقظة الشعب المستمرة أجهضت خطط عودة فلول حكم حسنى مبارك، بعد أن أطلوا بوجوههم بعد ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣.

ومع استرداد ثورة يناير من براثن الفاشية الدينية، وكانت قد تمكنت من حكم مصر فى الفترة من أول يوليو ٢٠١٢ حتى ٣٠ يونيو ٢٠١٣. لا يمكن إنكار التحولات التى أحدثتها ثورة ٢٥ يناير؛ وأهمها استعادة الشعب ثقته فى نفسه، وتحرره من الخوف؛ ففرض إرادته، وواجه أعاصير وتغلب على مؤامرات جاءته من كل اتجاه، ولم يستسلم وعمل جاهدا على تصحيح مسارات الثورة، دون كلل أو ملل.

عاشت ثورة يناير المد والجزر فى وقت واحد، ومرت بمنعطفات خطيرة وسُددت لها ضربات موجعة؛ لم تتوقف لحظة طوال السنوات الماضية.

وكانت كل أزمة تلد أختها، وكان هذا حال الثورة منذ "موقعة الجمل"، وبدأ الموقف فى التعقيد مع "غزوة الصناديق"، واشتدت وطأته بوصول الإخوان للحكم، إلى أن خرجت الملايين، واستعادت ثورتها المخطوفة.
وكانت قوى الثورة قد تولت التعبئة ودعت للخروج الكبير. وقبلها كان "المجلس الوطنى" قد دعا إلى انتخابات رئاسية مبكرة، ففى بيان للمجلس؛ صادر فى ٧ يناير ٢٠١٣ طالب بإجراء إنتخابات رئاسية مبكرة، وطرح الثقة فى الرئيس المعزول، وتبنت حملة "تمرد" الدعوة، وتمكنت من جمع ٢٢ مليون توقيع، وحددت ٣٠ يونيو موعدا لخروج الشعب بذلك المطلب، وكانت الاستجابة وخرجت الملايين تحميها القوات المسلحة، ولاحت فى الأفق إمكانية إمساك قوى الثورة باللحظة المواتية، فتتولى زمام أمر نفسها، وتتمكن من استكمال أهدافها فى "العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية".
وأضافت ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣ هدفين غابا عن ثورة ٢٥ يناير؛ هما:
استعادة الاستقلال الوطنى
استئناف الدور العربى والإقليمى
ومثلت الأهداف الستة منطلقات واضحة لعقد اجتماعى جديد وبرنامج ينعقد عليه الإجماع الوطنى، ويمكن ترتيب هذه المنطلقات على النحو التالى:
١) الاستقلال الوطنى..
٢) العيش..
٣) الحرية.‪.‬
٤) العدالة الاجماعية..
٥) الكرامة الإنسانية..
٦) استئناف الدور العربى والإقليمى.
محتوى الأهداف:
الهدف الأول.. الاستقلال الوطنى، وجوهره الحفاظ على وحدة تراب الدولة واستقلالها، والتحرر من التبعية، وعدم الارتباط بمحاور وأحلاف استعمارية أو عدوانية، والتمسك بالحق فى مقاومة وصد كل غزو وعدوان خارجى، ورفض إقامة قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، وذلك يُحققه وجود دولة ناهضة يحميها جيش وطنى قوى؛ لا ينشغل بصراعات السياسة، ولا تلهيه طموحات وتطلعات السياسيين. وكان هدف الاستقلال الوطنى غائبا عن ثورة يناير، ونادت به ثورة ٣٠ يونيو.
والهدف الثانى.. العيش يعنى الغذاء وتحقيق الكفاية لاحتياجات معيشة المواطن وتوفير دخل يكفيه من غير استغلال، ويكفل له الحق فى الكسب الشريف والمشروع، ورعايته فى العجز والشيخوخة والإعاقة؛ وتغطية المطالب والاحتياجات اللازمة.
الهدف الثالث.. الحرية وتتحقق ويتسع مجالها فتشمل الحريات العامة والخاصة واحترام حقوق الانسان. وحرية الرأى، وتقديم الجهد اللازم لاستكمال بناء الدولة الوطنية الديمقراطية الحديثة؛ بما يتطلب من ضمانات قانونية ودستورية تحمى الحريات، وتكفل حق التنظيم والعمل السياسى وتكوين الأحزاب والنقابات والروابط والجمعيات الأهلية، والمشاركة فى الحكم وإدارة الدولة، وتأكيد مبادئ وقيم وتقاليد التداول السلمى للسلطة، والعمل على تطوير الجهاز الحكومى، وتأكيد حق العاملين فيه وأعضاء المجالس المحلية فى اختيار المسئولين والموظفين العموميين على اختلاف المستويات القيادية العليا والمتوسطة بالاقتراع الحر المباشر، وإسقاط القيود على إصدار الصحف والمطبوعات، وضمان حرية الصحافة والإعلام بعيدا عن ضغوط التمويل، وعن تدخلات أجهزة الأمن، مع الحيلولة دون سيطرة المال على الحكم.
والهدف الرابع.. العدالة الاجتماعية، وتضمن حياة كريمة للمواطنين، وتمثل ضمانا لاستقامة الحرية السياسية، وأساسا للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، وتحد من الاستغلال الاجتماعى، وتقضى على نظم السخرة وتقاوم ثقافة العبودية والإذلال، وتضمن التوزيع العادل للثروة الوطنية، وتضع القواعد المنصفة للدخل والأجور، وربط الأجر بكم ونوعية العمل والإنتاج، وتتولى إجراءات وتطبيقات برامج العدالة الاجتماعية تصفية الأنماط الإقطاعية فى ملكية الأراضى والشركات، وتستردها من أيدى قلة استولت عليها بدون وجه حق، وتنشر مظلة الضمان الاجتماعى، والتعليم المجانى والعلاج والرعاية الصحية الشاملة والمجانية، وتسقط مبدأ "اللياقة الاجتماعية" الفاسد وتوقف العمل به؛ كمبدأ يميز بين الأغنياء والفقراء، ويحرم المتفوقين من أبناء الفقراء والفلاحين والعمال ومحدودى الحال من تقلد الوظائف والأعمال التى يستحقونها بتفوقهم، وتمنع التوريث فى وظائف الحكومة والمناصب التنفيذية، وفى الهيئات والمؤسسات ذات الكادر الخاص.
والهدف الخامس.. الكرامة الإنسانية ويكفل حق الحياة المستقرة فى بلد مستقل حر الإرادة؛ فيه المواطن سيد نفسه؛ ودولة تسهر على راحته وتصون كرامته، وتخفف عنه ضغوط الحياة؛ السياسية والاجتماعية والاقتصادية، ويتساوى فيها أمام القانون، الذى لا يفرق ولا يميز بين مواطن وآخر إلا بقدر العطاء وسلامة الانتماء الوطنى والولاء القومى، والالتزام الأخلاقى، الذى يعززه التعايش مع شركاء الوطن والتكيف مع ظروفه.
والهدف السادس.. استئناف الدور العربى والإقليمى، وكان من الأهداف التى غابت أيضا عن ثورة ٢٥ يناير، وبه تستعيد مصر دورها العربى والإقليمى بعد ثورة يونيو، وجاء مقترنا بالتفاف الأشقاء العرب فى الخليج حول مصر ودعمهم وتأييدهم، وتقديمهم العون السياسى والمالى والاقتصادى لها؛ ومؤازرتها فى التصدى للإرهاب الأسود وفى مواجهة الأزمة الاقتصادية.

وبهذه المبادئ والأهداف تكون قوى الثورة قد أمسكت بمنطلقات تؤسس لعقد اجتماعى جديد وبرنامج وطنى جامع؛ تتوحد به رؤيتها، ويمكنها من التزود بدليل عمل يدفع بها نحو المستقبل، ويخرجها من تيه تعانى منه منذ البداية ويحد من انطلاقها الآن.

وعلى هدى تلك المبادئ والأهداف تتحدد القوى صاحبة المصلحة فى الثورتين، وبذلك التلاقى تتحصن الثورة ضد الاختطاف؛ سواء من فلول دولة مبارك البوليسية، أو من فلول حكم الإخوان الدموى، وتواجه مؤامرات الطابور الخامس وتحد من خطر انكفاء القوى الانعزالية؛ المستقوية بالخارج بما تمثل‪؛‬ كظهير للاختراقات الصهيو غربية، وكعمق استراتيجى لجماعات التخريب والتغريب وقوى الإرهاب، وهى تشن حربها على الوطن والشعب والدولة والثورة، منذ يناير فى ٢٠١١، وتصاعدت بعد عزل الرئيس السابق عن الحكم.

والبرنامج الوطنى المنتظر سيكون عنوانا للوحدة الوطنية ومرجعية للتماسك القومى، وتعبيرا واضحا عن الاتجاهات الفكرية والمبدئية، وأساسا للسياسات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتجسيدا حقيقيا للمبادئ والمصالح الحاكمة لعلاقات مصر الداخلية والعربية والإسلامية والإفريقية والآسيوية والأوربية واللاتينية والأمريكية.

وإذا كانت العلاقات الداخلية تُبنى على الكفاية والعدل والمساواة الإنسانية والقانونية، وتستقيم بعدم التمييز بين المواطنين، فعلى مبادئها تُصاغ علاقات الحكم بسلطات الدولة ومواطنيها، وبالمحيط العربى ودول الجوار الإفريقى، وتتعزز العلاقات الإقليمية مع الدول والشعوب الإسلامية القريبة؛ مثل إيران وتركيا والسنغال والنيجر وتشاد وغينيا ومالى، وتقوى بالدول البعيدة؛ مثل ماليزيا وإندونيسيا، ودول الكومنولث الروسى الإسلامية فى آسيا الوسطى.

والعقد الاجتماعى الضرورى والبرنامج الوطنى الجامع أساس إقامة علاقات بناءة مع الدول الناهضة للاسترشاد بتجاربها المتقدمة، وتبادل الخبرات معها فى مجالات الصناعة والزراعة والعلوم والتعليم والبحث العلمى والرعاية الاجتماعية والصحية والتقانة المتقدمة، والاطلاع على تجاربها المستقلة فى التنمية؛ ذات المردود العالى، وقائمة هذه الدولة تطول؛ وفيها روسيا والصين والهند وجنوب افريقيا وفنزويلا والبرازيل، والجزائر وكوبا.

وبالنسبة للمنظومة الغربية؛ فى أوربا وأمريكا وكندا وأستراليا ونيوزيلندا وتكون هذه المبادئ منطلقات حاكمة لعلاقات مصر بها على أساس الإقرار بالإرادة المستقلة لها، وإعمال مبادئ مصادقة الصديق ومعاداة العدو، والتعاون الدولى المكتافئ، وحظر إنتاج واستخدام أسلحة الدمار الشامل، وقصر استغلال الطاقة النووية على الميادين السلمية، وإنهاء الاحتكار العلمى، وبذلك يتجه العالم نحو الرخاء والأمن والتقدم والسلام العادل.

ومن المطلوب أن توضع هذه المنطلقات ضمن مبادرة تُوقف تردد أصحاب القرار وتحد من عشوائية التعامل مع الثورة والثوار، وتتجاوز بثورة يناير غياب العقد الاجتماعى والبرنامج الوطنى الجامع، وتتحرر من أسر الحلول الجزئية، وطريقة العمل بالتجزئة ونهج الإنجاز بالقطعة، وبذلك تبتعد عن العمل التقليدى المهادن، وتكبح جماح الاندفاع نحو العمل الحزبى والسياسى العقيم، الذى يأخذ ولا يعطى، ويفرق ولا يوحد، والوعى بأن العمل الثورى يقيمه العطاء وتبنيه التضحيات ويتحقق بإنكار الذات، ومبدأه "الثائر أول من يضحى وآخر من يستفيد".

ونحن على ثقة بأن اكتمال الثورة هو سبيل مصر لتتبوأ مكانها ومكانتها التى تستحقها، وتحتل موقعها الرائد؛ فتعود لدورها المفتقد الذى كانت تلعبه، ولحجمها الطبيعى كدولة إقليمية كبرى؛ تؤمن بالقيم الإنسانية وترتبط بالمثل العليا التى دعت إليها الأديان ورسالات السماء، التى توحد ولا تفرق؛ وتسالم المسالم وتقاوم المعتدى؛ وتشد أزر الصديق وترد كيد العدو، وتنشد الخير للبشر جميعا، دون تمييز بسبب المعتقد أو اللون أو الثقافة أو الجنس.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة