شاكر رفعت بدوى يكتب: تجارة الحسد

الجمعة، 07 مارس 2014 02:19 م
شاكر رفعت بدوى يكتب: تجارة الحسد الخرزة الزرقاء

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
حينما تحل الفوضى وتطول مدتها، تبدأ الأفكار فى الانزواء وقد يصل البعض فى تلك الفترة إلى مرحلة الإفلاس الفكرى بسبب الكآبة التى تتسلل إلى النفوس فتصيب كينونتها باليأس والإحباط.

ويعزز ذلك ضعف النزعة الإيمانية التى تم اختصارها فى بعض المظاهر الفارغة، والتى تفضحها قبيح الأفعال وسوء النوايا.

وتلك البيئة لا تفرز سوى فراغ قاتل وخلل فى موازين العدالة. وهذه البيئة المريضة التى لا تفلح معها أى تجارة رابحة تجد أفراد مجتمعها لا يمارسون إلا تجارة واحدة ووحيدة ألا وهى تجارة الحسد، وبئس التجارة.

لقد أصبحت تلك التجارة رائجة ليس إلا بسبب الخلل الاجتماعى السائد بين فئة منعمة وأخرى معدمة. فئة أحلامها أوامر وأخرى ممنوعة حتى من الأحلام.

لقد وصلت درجات التفاوت الاجتماعى والاقتصادى بين أفراد المجتمع إلى أقصى درجاتها، وأصبحت من الخطورة بمكان بين فئة تعيش حياتها بترف بالغ ورفاهية مبالغ فيها وبين أخرى لا يجد أفرادها ما يسد جوعتهم أو يستر عورتهم ليس تقصيرًا أو تخاذلا منهم، بل بسبب هذا المجتمع المريض الذى لا يعطى لهم إلا أقل القليل فلا يستطيع أبناء الفئة الفقيرة أن يقيموا حياة كريمة.

بينما أقرانهم تتوافر لديهم أسمى درجات الرفاهية دون أن يبذلوا أدنى جهد. فما الذى يمكن أن يملأ صدور هؤلاء المحرومين إلا بذور الحقد والحنق من هذا المجتمع؟ ويعزز ذلك ضعف الوازع الدينى وليس أمامهم إلا أن تصاب نفوسهم بداء الحسد البغيض.

لقد أعطت الفئة المنعمة الفرصة لهؤلاء المحرومين ليمارسوا حسدهم وحقدهم المدمر ليس إلا بسبب بذخهم وإسرافهم فى مأكلهم ومشربهم واقتنائهم أحدث السيارات الفارهة، واعتبروا أن ما لديهم من أموال وثراء إنما هو هبة من الله شاء أن يمنحها لهم ويمنعها عن هؤلاء التعساء.

وإذا أراد هؤلاء الفقراء أن يصلوا إلى ثرائهم فعليهم بالسعى والكدح وتناسى هؤلاء الأبناء الصغار، أن ما هم فيه من نعم وثروة لم يكن بسبب كدهم وكدحهم وإنما بسبب ما ورثوة عن آبائهم وأجدادهم، وكأنهم يريدون أن يعطوا لأنفسهم مبررات واهية تتيح لهم مزيد من الترف والشطط دون أدنى اعتبار لهؤلاء المعدمين الفقراء.
لقد نسوا أو تناسوا فى خضم غيهم حق الآخرين عليهم من مال الله الذى أعطاهم اياه عز وجل وعرفهم سبل الحفاظ عليه بالانفاق منه، كما قال تعالى "وآتوهم من مال الله الذى آتاكم"، كى لا يحتكر المال فئة دون أخرى تصديقًا لقوله تعالى "كى لا تكون دولة بين الاغنياء منكم". نظرًا للخطورة الكامنة من ذلك.

ولقد حث المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام على الإنفاق حفاظًا على المال وتحقيقًا للتماسك الاجتماعى وحماية لهذا المجتمع من أدواء الحسد والحقد الاجتماعية الفتاكة، فقال صلى الله عليه وسلم "ليس بمؤمن من بات شبعانا وجاره جائع وهو يعلم".

لقد ابتُلينا بأمراض عضال وانتزعت البركة من أرزاقنا وحل بيننا الخصام والتنافر ليس إلا بسبب إمساكنا عن الإنفاق أو التخلى عن النذر اليسير من أموالنا التى لا تسمن ولا تغنى من جوع.
وحينما تحل بنا أزمة ما نود لو أننا ننفق جل أموالنا كى نتفاداها ولو أننا تذكرنا حقوق الفقراء قبلها لما أصابنا مكروة ولكننا تعودنا أن نتعلم بعد فوات الآوان.

إن أمراض الحسد والحقد الاجتماعى تصيب المجتمع بأثرة وتسبب له التراجع والتخلف والدمار، ونحن نسهم بشكل أو بآخر فى صناعتها بسبب تغولنا على الدنيا وتكالبنا عليها وحرمان الآخرين من أدنى حقوقهم من مال الله الذى استودعه عز وجل كأمانة معنا، فإذا بنا نخون الأمانة وننفقة على ملذاتنا وأهوائنا المريضة دون أدنى اعتبار لهؤلاء لمحرومين وكأنهم ليسو بمؤمنين.

ليس هذا فحسب فإننا فوق هذا نواصل استفزاز مشاعر الفقراء بمزيد من البذخ والترف الزائد عن الحد ونكتفى بإعطائهم فتات الفتات فى ظروف اقتصادية عسيرة هى أدعى أن نلتفت إلى هؤلاء الفقراء لننفق عليهم ليس لكى نسد جوعتهم فحسب بل يتعدى ذلك إلى إيجاد فرصة عمل حقيقية تقيم حياة وتيسر زواجًا وتخفف من وطأة التنافر المجتمعى وتحصن المال والأبناء من خطر الأمراض الاجتماعية الفتاكة، إضافة إلى وجوب توقفنا عن ممارسة البذخ وإدراك حجم الأمانة التى منحنا الله إياها بأن نوجهها إلى مصارفها الصحيحة وإلا نزعت منا ممن منحها إيانا.

ختامًا لنتوقف قليلا لنلتقط أنفاسنا من سعارنا المادى وعن أحلام الاكتناز بحجة تأمين مستقبل الأبناء وضمان عيش كريم لهم فى حياتهم القادمة، ولندرك جيدًا أن تأمينهم لن يكون إلا بمزيد من الإنفاق، ولنتذكر أن قدوتنا وأسوتنا صلى الله عليه وسلم لم يترك درهمًا ولا دينارًا، ولم يرث منه بناته وقرابته شيئًا، ومات فى غرفة من طين كانت قبره صلى الله عليه وسلم، فلم يترك دارًا ولا قصرًا ولا بستانًا ولا كنزًا، بل ذهب من الدنيا كما أتى تمامًا.
لكنه ترك منهجًا ربانيًا وعقيدة عظيمة وسنة مطهرة ودولة إسلامية وجيلا مؤمنًا ورسالة ربانية محمدية نحن تقاعسنا عنها طمعًا فى نعيم الدنيا الزائل، وما أحوجنا فى تلك الآونة، وفى كل حين، أن نتأسى به صلى الله عليه وسلم حماية ووقاية من الأمراض الاجتماعية وتحقيقًا للسلام الاجتماعى وابتغاء لثواب الله وتقربًا إليه عز وجل.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة