مصطفى محمود إبراهيم يكتب: عندما يلعب الإعلام بالعقول

الإثنين، 31 مارس 2014 10:06 ص
مصطفى محمود إبراهيم يكتب: عندما يلعب الإعلام بالعقول مدينة الإنتاج

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ظل الإعلام المصرى منذ النشأة حتى وقت ليس ببعيد كان يتمثل فى الإعلام الرسمى الحكومى، بتقسيماته المقروءة والمسموعة والمرئية، وفى خلال هذه الفترة لم يكن لدى عامة الشعب الحد الأدنى من المعرفة الاعلامية، التى تتمثل فى معايير المهنية والحياد والموضوعية... إلى آخر هذه المصطلحات، فكانت وسائل الإعلام تمثل مصادر موثوقة للمعلومات، والآراء أيضًا، فكان الرأى المطروح إعلاميًا، وسلطويًا بالضرورة، غالبًا ما يتماشى مع الرأى العام، أو بمعنى أدق يوجهه، ولعدم توافر التعددية فى الاختيار، كما هو الحال فى الوقت الراهن، فقد كان ذلك أمرًا طبيعيًا، أما اليوم، ومع كل ما هو مطروح من اختيارات للتعرض، ومع "الاستقلالية" المفترضة للوسائل ذات صفة "المستقلة"، لابد من وجود اختلافات جوهرية، أو سطحية، فى توجهات هذه الوسائل.

وسأتحدث هنا عن نفسى، ففى خضم دراستى الأكاديمية للإعلام درست عملية تسمى بـ"التعرض الانتقائى"، وهى باختصار تؤكد أن كل إنسان يختار التعرض للوسيلة أو الرسالة الإعلامية التى تتوافق مع اتجاهاته وميوله ورغباته، وعاداته وتقاليده، ومن منطلق أن هذه العملية لا يمكن أن تتم سوى بوجود مجموعة وسائل اتصال تتنافس فيما بينها فى تقديم المضمون متنوع الفكر والرأى والتوجه، لكى يجد كل شخص الفرصة لاختيار ما يتعرض له.

فى واقع الأمر نحن نعيش فى مصر حالة "استعباط" إعلامى من الدرجة الأولى، فحين تجد كل الوسائل، ولا داعٍ لذكر أمثلة، تتشابه، بل يمكن القول "تتماثل" فيما تقدمه من محتوى، فذلك لا يمثل إلا تشويهًا للغرض السامى من عملية الاتصال بالجماهير، والتى يأتى على رأسها "الإعلام"، بمعنى الإخبار و"التوجيه" و"الارشاد"، بما لا يخل بمعايير المهنية وقدر الشفافية المطلوب، ولإثبات ما أقول للمشككين، وهم كُثر، لنأخذ التليفزيون كمثال، قم بالتجربة الآتية: افتح جهاز التليفزيون فى وقت ذروة المشاهدة، ابتداءً من الثامنة مساءً، وابدأ بالتنقل بين القنوات المصرية، وسجل ملاحظاتك على ما يُقال عن الآتي: "جماعة الاخوان، الإرهاب، مصطلح "حكم العسكر"، 25 يناير، 30 يونيو، ترشح المشير "عبد الفتاح السيسى"، باعتبار أن هذه الموضوعات تمثل معظم تكوين الصورة السياسية لدى الرأى العام المصرى، ثم اطرح على نفسك سؤالاً: هل من المنطق فى شيء أن يتبنى الجميع ذات التفكير؟
وأنا هنا لا انتقد سياسات أو توجهات، فلكل إنسان حرية اعتناق ما يراه من فكر، أما اذا كان إعلاميًا فهناك ثوابت لا ينبغى تجاوزها، وهنا أريد أن ألفت نظر القارئ الكريم أن المقال فى الصحافة المقروءة يساوى قالب "الحديث المباشر" فى الإذاعة والتليفزيون، وهو البرنامج الذى يظهر فيه الاعلامى وحده ليواجه الكاميرا دون مشاركات أو ضيوف، فيستعرض الأحداث ويعلق عليها من وجهة نظره، وبما أن المقال هو مادة رأى، فإن هذا القالب أو الشكل البرامجى يسمح للإعلامى بالتعبير عن رأيه وتوجهه بمنتهى الوضوح، أما ما سواه فلا يحق إبداء الرأى فيه، وفى برامج الحوارات المعروفة بـ"التوك شو"، مثلاً، يظهر التحيز وعدم الموضوعية فى استضافة أشخاص تمثل ذات التوجه، كما لو كان الشارع كله فى اتجاه واحد!

والسؤال هنا، مادام الشعب المصرى بالكامل، الذى يعكس الاعلام فكره، متوحدًا فى فكره إلى هذا الحد، فليفسر لنا أساتذتنا الدم والعنف شبه اليومى، عزيزى الإعلامى أن التفسير الوحيد هو أنك تريد توجيه عقول الناس إلى الاتجاه الذى يحقق مصالحك أو مصالح من تجد معه مصلحتك، بالوضع فى الاعتبار ملكيات وسائل الإعلام الخاصة.





مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة