جمال الجمل يكتب : ميادة.. حبيب عمرها شريك فى قتلها.. انتصرت «ميادة» بالإعلام لكنه بكل أسف شريك أساسى فى قتلها وأرجو أن لا أكون متحاملا

الإثنين، 31 مارس 2014 06:41 ص
جمال الجمل يكتب : ميادة.. حبيب عمرها شريك فى قتلها.. انتصرت «ميادة»  بالإعلام لكنه بكل أسف شريك أساسى فى قتلها وأرجو أن لا أكون متحاملا ميادة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
وعدتكم فى الأسبوع الماضى بقصص شيقة عن جون راندون، وقناة الجزيرة، وأكاذيب الإخوان، لكن مقتل ميادة يدفعنى بقوة لتأجيل الوفاء بوعدى.

جلست أمام شاشة الكمبيوتر ساعات طويلة لم أستطع خلالها كتابة حرف واحد عن أى شىء، العبث يبدو أقوى من أى منطق، والضباب يتآمر مع الخوف والتلفيق و«لقمة العيش» لتشكيل فضاء سحرى للخديعة والادعاء، بحيث يسهل لأى كاذب أن يسجل ويصور «خناقة قطط»، ويقدمها لك بعنوان «عودة معارك الديناصورات»!
المحزن أننى لن أذهب بعيدا عن ملف الإعلام، فالقتيلة صحفية، لا تجلس فى بيتها لانتظار الموت، بل ترتدى ملابسها وشجاعتها كل صباح وتخرج لتقابله، ولذلك تطلب عادة من زميلها المصور «آخر صورة» وتنهى طلبها بالنصيحة المعتادة «خللى بالك من نفسك»، وتفرح عندما تنتهى التظاهرات سريعا، لأنها تريد أن تعود مبكرا «فى أى يوم جمعة»، لتتلمس الراحة والدفء العائلى مع صديقاتها، بعد أن باعدت الصحافة بينها وبين حضن الأم وبيت «العيلة» فى قرية أسطنها بالمنوفية.

مقتل ميادة ليس الأكثر بشاعة بين الضحايا الست فى تظاهرات الجمعة الماضية، فالجريمة الأبشع من وجهة نظرى تتمثل فى طريقة ومغزى قتل مارى جورج طعنا وخنقا فى سيارتها، وهو حادث همجى لا يمكن اتهام الأمن بارتكابه.

طبعا أنا لا أعترف بطبقية أو عنصرية الموت، ولا أميل إلى التفرقة بين الضحايا، لكن الإعلام فى رأيى أهمل الأبشع، وركز على الأكثر رواجا وعرضة للضوء، ربما بحكم انتماء ميادة لمهنة الإعلام، وربما استسهالا للمعلومات المتوفرة، وهذا أحد الانحيازات الخاطئة التى يسقط فيها إعلامنا عادة، فهو يتورط كطرف، ويخلط الحقائق، ويبالغ فيها، ويضغط فى كل اتجاه، ليس بحثا عن الحقيقة، ولكن لاستخدام الحادث كطلقة رصاص فى نفس المعارك القديمة، حتى تكاد تتطابق لغة التصريحات والاتهامات المتبادلة فى حادثى مقتل ميادة ومقتل الحسينى أبوضيف.. الإخوان يضعون الضحية ضمن قوائمهم ويتهمون الخصوم بالقتل، والعكس يحدث أيضا، ويسعى كل طرف لحشد الأدلة على اتهامه الوهمى، وكأن الصحفى لزام عليه أن يكون أحد طرفين «مع الإخوان أو ضدهم».

ميادة فتاة مصرية مسلمة متحجبة تتمتع بخفة دم وشعبية كبيرة بين زميلاتها وزملائها فى كلية الإعلام التى تخرجت منها حديثا، وفى أوساط الصحافة التى عملت بها عقب ثورة يناير، حتى استقرت فى الموقع الإلكترونى لصحيفة «الدستور»، وهى صحيفة متطرفة فى عدائها للإخوان، لكن قناة الجزيرة ومنابر الإعلام الإخوانى أهملت هذه المعلومة، ووصفت ميادة بأنها صحفية فى موقع «مصر العربية»، وهو بوابة إخبارية إلكترونية تبث بشكل تجريبى على الإنترنت، بعد تعثر إجراءات الموافقة عليها كقناة إخبارية عقب إغلاق عدد من القنوات الدينية فى 14 أغسطس الماضى، وقد شاع فى الوسط الإعلامى أن السلطات رفضت منحها تصريح البث لأنها مناصرة للإخوان بتمويل قطرى غير معلن، وهو أمر يسهل اكتشافه من تحليل الأخبار والمواد التى تبثها وطريقة عرض قضاياها.

لكن ما الذى يجعل مراسلة «الدستور» المعادية للإخوان هى نفسها مراسلة «مصر العربية» المناصرة لهم؟ وهل يمكن أن نستخدم هذه المفارقة فى تحديد الانتماء السياسى للصحفية الشابة؟

المؤسف أن ظروف تدنى أوضاع الإعلام فى مصر جعلت هذا الازدواج هو القاعدة، والمشكلة لا تتعلق بضعف الدخل، واستغلال الخريجين الجدد فى سد احتياجات التوسع فى التغطية الميدانية الخطرة بدون ضمانات، أو تأهيل أو تدريب كاف، لكن الخلل أصبح هو نفسه النظام، فى ظل امتصاص الفضائيات للعناصر العاملة فى الصحف، واعتمادها على شبكات المراسلين الصحفيين لتوفير نفقات إعداد شبكة مراسلين، ولغياب دور نقابة الصحفيين وعجزها «لأسباب سياسية ومالية» عن رعاية الصحفيين أو حتى قيدهم تحت مظلتها، حتى صرت تسمع صحفيين كبارا يدعون الله: «ربنا يتوب علينا من الخدمة فى البيوت»، فكيف بصحفية مغتربة لم تعترف بها نقابتها إلا بعد ضجة مقتلها، فمنحتها عضوية شرفية لا أعلم مدى جدواها فى العالم الآخر!!
ميادة التى يتبارى «سماسرة الموت» فى نعيها ونشر صورتها، واستخدامها فى المزايدات السياسية وتشويه الخصوم، لم تكن لها علاقة مباشرة بالسياسة، ولا تكشف صفحتها على الإنترنت عن ميول سياسة، ميادة خلقت لتكون صحفية وتموت صحفية، وفى الذكرى الأولى لمقتل الحسينى أبوضيف طلبت من زميلها محمود مختار التقاط صورة لها مع لوحة كان قد أعدها بخطه، ووقفت على الرصيف تحمل الكاميرا بيد وبالأخرى اللوحة المكتوب عليها «الكاميرا لاتزال فى إيدينا يا حسينى، ومكملين إن شاء الله – 5 ديسمبر 2013»، والمؤسف أن موقع «مصر العربية» الذى نعى ميادة باعتبارها صحفية من فريقه نشر هذه الصورة بعد أن قص الجزء الأسفل الذى يتضمن اسم الحسينى مكتوبا بخط أحمر كبير، وهو اقتطاع يذكرنا بمقولة «نصف الحقيقة هو نصف الكذب».

لا أريد أن أستخدم الصورة فى عداء ميادة للإخوان، ولا أريد أن أتحدث عن صور لها مع ضباط جيش وشرطة وهى ترفع إصبعيها بعلامة النصر، أنا أؤكد «بعد متابعة دقيقة لصفحتها على الفيس بوك، وكتاباتها، وشهادات زملائها ومعارفها أنها كانت صحفية تحب مهنتها وإنسانة تحب إنسانيتها، فهى تردد الأدعية دوما، وتناجى ربها قبل أيام من رحيلها «طبطب عليا يا رب»، وتقول لصديقتها «اللى يصيبنا أهو من نصيبنا»، وتغنى مع محمد منير «أرقص غصب عنى أرقص»، تحب ماندى مور فى فيلم «A walk to remember» وتعلن أن أحمد رمزى هو فتى أحلامها، وتفرح بزواج أول صديقة من دفعتها، وتختار لـ«بروفايلها» صورة لعمر الشريف يغازل عيون فاتن حمامة، ثم أخيرا صورة للمغنية كارول سماحة، وعندما كتب الإخوان شعارات مسيئة على جدران كنيسة مريم بحلمية الزيتون، مثل «هنا مقر الخنافيس والعبيد» نشرت تقريرا فى «الدستور» أدانت فيه استفزاز الأقباط، وشاركته على صفحتها بتعليق «قلة أدب»، والأهم من هذا كله أنها تنشر فرحا صورة خطاب «شكر ومكافأة» من صحيفتها بتعليق قوى الدلالة: «الحمد لله.. لقد هرمنا من أجل هذه اللحظة»، وهذا الوجع من ظلم الصحافة لشبابها كان هاجسا ظهر فى أكثر من تعليق عن إعجابها مرة بتحقيق تضمن شهادات لزملائها عن «كارنيه النقابة.. حلم كل صحفى» وصوتهم الضمنى فى مقدمة الموضوع «بندوق المر عشان الكارنيه»، كما تنشر صورة بتعليق ساخر «العلام مبيأكلش عيش».

والغريب أنها لم تضع على صفحتها «لينك» لشهادتها التلفزيونية عن احتجاز طلاب الإخوان لها فى جامعة الأزهر، واستيلائهم على الكاميرا والموبايل بعد تهديدها، ربما لأن المزايدات السياسية لم تكن من طابعها، وربما لأنها «وهذا هو الأرجح» تركز فقط على مهنتها وتحترم مشاعر وانتماءات زملاء وزميلات دفعتها ممن يتعاطفون مع الإخوان، أو ضرورات العمل فى منابر إعلامية قد تميل للجماعة.

هكذا انتصرت ميادة للإعلام، لكنه بكل أسف شريك أساسى فى قتلها، وأرجو ألا أكون متحاملا، وفى الأسبوع المقبل – لو كان لنا عمر - نعود إلى القضية المؤجلة.
نصف الحقيقة كذبة كاملة






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة