وقف جمال عبد الناصر أمام مئات من ضباط الجيش يخطب قائلا: "إننا نريد صداقة الاتحاد السوفيتى ونرفض سيطرته"، ثم أضاف: "الشيوعيون يشنون حربا مسعورة ضدنا تساندهم فى ذلك قيادة الاتحاد السوفيتى، وبذلك فإن هذه الأحزاب أثبتت أنها ليست إلا عميلا لقوة كبرى".
قال "عبد الناصر" الكلمات السابقة فى مثل هذا اليوم "30 مارس 1959"، فى سياق هجوم كاسح ومتبادل مع القيادة السوفيتية بزعامة "خروشوف"، وتابعها العالم أجمع لأسباب كثيرة، أهمها دفء العلاقة بين مصر والاتحاد السوفيتى، فى مقابل برودتها بين مصر وأمريكا.
كان الخلاف عقائديا وسياسيا فى آن واحد، لكن الأهم فيه أن مصر وقتئذ لم تسلم إرادتها لقوة كبرى بحجم الاتحاد السوفيتى القطب الثانى المهيمن على العالم، وجاء هجوم عبد الناصر فى فصل من الهجوم المتبادل بين الطرفين بسبب الاشتباكات الدامية بين الشيوعيين والقوميين العرب فى العراق، وتدخل فيها الاتحاد السوفيتى علنا لصالح الشيوعيين، ولما حدثت المشادات بين عبد الناصر وخروشوف، أعلنت تنظيمات شيوعية مصرية تأييدها للقيادة السوفيتية، فرد عبد الناصر باعتقال عدد كبير من أبناء هذه التنظيمات.
لكن هذا الفصل من التاريخ يشمل قصة من المفيد التوقف أمامها كثيرا، لأنها تتعلق بمسألة استقلالية القرار الوطنى، ويرويها الكاتب الصحفى محمد حسنين هيكل فى كتابه "سنوات الغليان"، وتبدأ بتلقى عبد الناصر بعض الرسائل من طلبة البعثات الدراسية المصرية فى الجامعات السوفيتية، يشتكون فيها من سوء المعاملة التى بدءوا يتلقونها فجأة، وكان أشد ما أثاره خطاب من طالبة تدرس العلوم الطبيعية النووية، قالت فيها إنها تجد نفسها مرغمة على النوم فى غرف تضم ثلاث طالبات من جنسيات مختلفة، وهن شيوعيات مقاتلات، ويتحدثن معها بإهانة، بدعوى أن مصر غيرت سياستها وتخلت عن المعسكر التحررى، ثم شكت من أن غرف النوم تقع فى عنابر مختلطة للجنسين.
يقول هيكل، إن عبد الناصر أطلعه على هذه الخطابات، وقال له إنه يريد ردّا موجعا فى هذا الموضوع بالذات، وطلب منه أن يتوجه إلى السفير الأمريكى "ريموند هير" ليسأله إن كان باستطاعة أمريكا توفير أماكن فى جامعاتها لهؤلاء الدارسين المصريين، حتى يفهم السوفيت أن مصر ليست رهينة لأحد.
يضيف هيكل، أنه قابل السفير الأمريكى وناقش معه الموضوع، فسأله السفير عن عدد الدارسين المطلوب توفير لهم فرص للدراسة، ونبهه إلى أن الفترة الدراسية للربيع بدأت فى الجامعات الأمريكية، فأجابه هيكل، أن عدد الدارسين حوالى مائتين، فأمسك "هير" رأسه بيديه مفزوعا من العدد، وقال، إن الأمر يحتاج إلى قرار على أعلى مستوى فى الولايات المتحدة، وأنه سيكتب فيه ليس فقط إلى وزارة الخارجية، وإنما إلى البيت الأبيض، ويقول هيكل، إنه عند منتصف الليل اتصل به "هير" ليقول له إنه تلقى قبل دقيقة واحدة ردا إيجابيا على الطلب، وأن كل القواعد سوف يجرى كسرها، وأن نفوذ الرئيس "إيزنهاور" سوف يجرى استعماله لدى الجامعات الأمريكية لتقبل هذه الأعداد، وتم نقلهم بالفعل.
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 30 مارس 1959.. معركة بين عبد الناصر وخروشوف ومصر تنقل طلابها من موسكو لواشنطن
الأحد، 30 مارس 2014 09:17 ص