يمهد الرئيس السورى بشار الأسد بهدوء الطريق لإجراء انتخابات مطلع الصيف الجارى من أجل الفوز بفترة رئاسية أخرى مدتها سبع سنوات، رغم أن الصراع السورى يزداد اشتعالا فى عامه الرابع؛ وصارت مناطق واسعة من البلاد، إما أنقاضا أو تحت سيطرة المعارضة، وشردت الحرب الأهلية نحو ثلث السكان، وحتى الآن لم يتقدم أحد لخوض الانتخابات ضده.
ووسط هذا الدمار، الذى خلف أكثر من 140 ألف قتيل، ربما تبدو الانتخابات الرئاسية أمرا محالا، لكن المسئولين السوريين يصرون على إجرائها فى موعدها.
وتعد الانتخابات محورا للتصور الذى تطرحه الحكومة السورية عن الصراع فى الساحة الدولية. فخلال محادثات سلام باءت بالفشل فى مطلع العام الجارى فى جنيف، استبعد المسئولون السوريون تماما أن يتنحى الأسد فى مواجهة الثورة الرامية إلى الإطاحة به. فى المقابل، يطرحون الانتخابات المقرر إجراؤها فى نهاية فترة الأسد كحل للأزمة: فإذا اختير الأسد فى الانتخابات، فستنتهى المعركة، وإن خسر الأسد، حينئذ سيرحل.
ويقول المراقبون إن من غير المعقول الظن أن الانتخابات يمكن أن تعكس اختيارا حقيقيا، وإن الأسد سيفوز بالتأكيد. كذلك يستحيل تنظيم الانتخابات فى المناطق التى يسيطر عليها مقاتلو المعارضة. وفى المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، لن يجرؤ كثيرون على التصويت لغير الأسد خوفا من الشرطة السرية التى رصدت الانتخابات السابقة عن كثب.
ويقول هلال خشان، رئيس قسم العلوم السياسية فى الجامعة الأمريكية فى بيروت، "ثمة فجوة بين ما يدور فى ذهن الرئيس السورى والواقع. فهو متمسك بالرئاسة ولا يبدو أنه يرى أبعد من ذلك".
وأضاف "يستطيع أن يعقد انتخابات، وإذا كان المجتمع الدولى سيتعامل مع هذه الانتخابات بجدية حينها يكون هناك فى الواقع خلل فى المجتمع الدولى".
وفى المناطق التى تسيطر عليها الحكومة، بدأ متظاهرون مؤيدون للأسد فى الآونة الأخيرة تنظيم مسيرات دعما للقوات المسلحة، رافعين ملصقات الأسد والأعلام السورية ولافتات تشيد بـ"الانتصارات ضد الإرهابيين".
الأسد وزوجته البريطانية المولد أسماء خرجا من أشهر من العزلة، فزارا تلاميذ المدارس والأمهات ونازحين فى حملة تهدف إلى غرس الثقة والتفاؤل فى دولة دمرتها الحرب، وفى ظل تطورات القتال، يستحيل الجزم كيف ستبدو ساحات القتال مع حلول الصيف. لكن فى الوقت الراهن، لدى الأسد سبب وجيه عموما كى يشعر شعور الواثق فى نفسه.
وبدعم من المقاتلين الشيعة من حزب الله اللبنانى وميليشيات عراقية، سيطرت قوات النظام على مناطق فى ريف دمشق ومحافظة حمص بوسط البلاد تربط العاصمة بمعقل الأسد فى ساحل البحر المتوسط، فى وقت سابق من الشهر الجارى، استعادت قوات الأسد السيطرة على بلدتين رئيسيتين من المعارضة قرب الحدود مع لبنان، كذلك استولت القوات الحكومية على مناطق فى ريف مدينة حلب وعلى المطار الدولى فى المدينة، حيث استؤنفت الرحلات بعد توقف دام خمسة عشر شهرا.
وفى تجسيد لحالة التأرجح فى الصراع، شن مسلحو المعارضة الأسبوع الماضى هجوما واسعا فى مسقط رأس أجداد الأسد فى مدينة اللاذقية الساحلية، فبسطوا سيطرتهم على آخر معبر حدودى مع تركيا كان لا يزال تحت سيطرة الحكومة علاوة على مدن عديدة أخرى. وقتل ابن عم الأسد وقائد قوات الدفاع الوطنى فى اللاذقية هلال الأسد فى المعارك.
فواز جرجس، مدير مركز الشرق الأوسط فى كلية الاقتصاد فى لندن، قال "هذا العام كان عاما عظيما للأسد"، وأضاف "أصبح جيشه آلة قتل نشطة حققت مكاسب تكتيكية رئيسية بعموم سوريا، فسيطر على مدن سورية ومناطق حدودية مع لبنان لها أهمية كبيرة من أجل بقائه".
بالنسبة للانتخابات، لم يتم بعد تحديد موعدها، لكن لابد من إجرائها بين ستين إلى تسعين يوما قبل انتهاء ولاية الأسد فى السابع عشر من يوليو، وهذا الشهر، وافق مجلس النواب على قانون للانتخابات يفتح الباب- أقله من الناحية النظرية- أمام منافسين محتملين آخرين للأسد.
وكان سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفرى قد قال فى منتصف مارس، إن الانتخابات الرئاسية ستعقد فى مايو أو يونيو، ووصفها بأنها "شأن داخلى". وقالت المستشارة الرئاسية بثينة شعبان، إن الانتخابات الرئاسية ستجرى فى موعدها وفقا للدستور. مشيرة إلى أن سوريا لن تقبل مراقبين دوليين فى الانتخابات.
وتجرى الاستعدادات حاليا حيث بدأت السلطات فى المناطق التى تسيطر عليها الحكومة فى إصدار بطاقات الانتخاب واستقبال الطلبات المقدمة من الأشخاص الذين فقدوا أو لم يكن لديهم بطاقات، وعادت زوجة الأسد، أسماء، إلى الظهور مؤخرا فى عدة مواقف مرتبة بعناية.
ونشر تلفزيون الدولة الرسمى ووكالة الأنباء السورية (سانا) صورا لزيارة السيدة الأولى لمدرسة فى دمشق، حيث قامت بتحية الأطفال الذين فقدوا آباءهم فى القتال إلى جانب واطلعت على رسوم الأطفال، حيث كانت محاطة بطلاب مبتسمين فى الزى المدرسى.
وفى الآونة الأخيرة، جلست أسماء وزوجها مع مجموعة من اثنتى عشرة معلمة فى دمشق. وفى الحادى والعشرين من مارس الذى يوافق عيد الأم فى العالم العربي- أظهر التليفزيون الحكومى أسماء تقابل أمهات جنود مفقودين. وقالت لهم بهدوء "أبناؤكم أبناؤنا"، وأضافت أنهم أبناء سوريا وأن سوريا لن يهدأ لها بال حتى يتم العثور على أبنائها جميعا".
من جانبه قال الناشط السورى المعارض البارز فى وسط مدينة حمص، محمد صالح: "إننا نشهد الاستعدادات للانتخابات ولكن بالنسبة لنا النتائج معروفة بالطبع سيكون هناك مرشحون آخرون من أجل الشكل الجمالى فقط"، وعلق المعارض كمال اللبوانى الذى أمضى سنوات طويلة فى السجن فى سوريا قبل أن يغادر البلاد، "هذا أمر مستحيل فلكى يتم إجراء انتخابات يجب أن يكون هناك أحزاب حرة وحملات انتخابية واستقرار وسلام، وعندما يتمكن الناس من الذهاب للتصويت دون ضغط".
ولفت أحمد المسالمة -أحد نشطاء المعارضة فى مدينة درعا جنوبى سوريا إلى أنه حتى المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة من الخطر جدا إجراء الانتخابات فيها، معلقا "هذا نظام غير شرعى لا ينبغى أن يقوم بإجراء انتخابات الأسد بالنسبة لى هو ماض وليس لديه أى مكان فى سوريا الجديدة".
بشار الأسد يستعد لخوض انتخابات رئاسة سوريا الصيف المقبل رغم الصراع.. المسئولون بدمشق يصرون على إجرائها رغم وقوع أكثر من 140 ألف قتيل فى أقل من 4 أعوام.. وسيطرة المعارضة والشرطة السرية تحول دون نزاهتها
الأحد، 30 مارس 2014 09:58 ص
بشار الأسد
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة