"إن بعض الجهلاء يعتقدون أن منح الأمة دستورا على الورق، وبخاصة إذا كان مفتتحا بعبارات فخيمة، من شأنه أن يمنح الأمة قوة الحكم الذاتى، مع أن شيئا من ذلك لا يكون بتاتا".
كانت الكلمات السابقة للرئيس الأمريكى "تيودور روزفلت " والذى شغل منصبه من عام 1901 إلى عام 1909، وألقاها فى الجامعة المصرية "جامعة القاهرة" فى مثل هذا اليوم "29 مارس 1910"، بعد ترك منصبه بفترة قصيرة، وكان ضيفا على مصر بعد جولة صيد له فى أفريقيا استمرت شهرين، زار فى نهايتها السودان، وألقى فيها خطابا أشاد فيه بالاحتلال البريطانى لمصر.
اجتمع "روزفلت" فى زيارته لمصر بالخديوى "عباس حلمى الثانى"، والتقيا على مأدبة غذاء، ثم توجه إلى الجامعة المصرية بدعوة من رئيسها الأمير فؤاد "الملك فؤاد فيما بعد" ليلقى فيه خطابه الذى فاجأ المصريين به.
أشعل الخطاب غضب الحركة الوطنية المصرية، خاصة أنه جاء فى توقيت كانت تطالب فيه بالاستقلال عن الاستعمار البريطانى، بالإضافة إلى نضالها من أجل وضع دستور وطنى، ولأن الخطاب سار عكس هذه المطالب تماما، اعتبرته الحركة الوطنية طعنا فى ظهرها، وتشجيعا لبقاء الاحتلال فى مصر.
وحين نتأمل هذا الخطاب، الآن سنجده يعبر عن طبيعة استعمارية خالصة، تحمل نظرة استعلائية حملتها دول الاستعمار الغربى للمنطقة، كما يفتقد إلى أى روح دبلوماسية، حيث وصف صراحة مطالب الحصول على الدستور لبلد فى ظروف مصر بـ"الجهل".
كانت ردود الفعل قوية على ما ذكره "روزفلت"، ويسجلها المؤرخ عبد الرحمن الرافعى فى كتابه "محمد فريد"، مشيرا إلى أنه فى مساء نفس اليوم اجتمعت اللجنة التنفيذية للحزب الوطنى، وكان أكبر الأحزاب المصرية وقتئذ، وكتبت اللجنة ردا قويا تؤكد فيه رفضها على الخطاب، وأرسلته إلى "الضيف الأمريكى"، وأرسلته إلى إدارة الجامعة المصرية معلنة احتجاجها على السماح بإلقاء الخطاب فى دارها، ومنحها "الخطيب" لقب الدكتوراة بعده، وأرسلته إلى الصحف الأوروبية والأمريكية الكبرى.
وأقام الحزب مؤتمرا بمسرح "بيلوت باسك" بشارع عماد الدين، ألقى فيه "على فهمى كامل" شقيق الزعيم مصطفى كامل خطابا ناريا، خرج الحاضرون بعده فى مظاهرة هائلة تحمل علم مصر، وسارت حتى فندق شبرد مقر إقامة "روزفلت"، وهتفوا بسقوطه وبالاستقلال والدستور.
ولم تقتصر الاحتجاجات والمظاهرات على القاهرة، بل امتدت إلى الإسكندرية، فعندما وصل "روزفلت" إلى الميناء ليستقل الباخرة إلى أوروبا، فوجئ بمظاهرة حاشدة تستقبله فى الميناء تهتف بنفس الهتافات التى استمع إليها فى القاهرة.
وعم الغضب الصحافة المصرية، حيث أفردت صحيفة اللواء لسان حال الحزب الوطنى صفحاتها للتنديد بما ذكره الضيف الأمريكى، وفى صحيفة المؤبد كتب صاحبها الشيخ على يوسف مقالا ناريا يرفض الخطاب، وانتقل الغضب إلى ميدان الشعر، حيث كتب الشاعر "حافظ إبراهيم" قصيدة قال فيها:
" أى خطيب الدنيا الجديدة شنف سمع مصر بقولك المأثور.
إنما شوقها لقولك يا (روز فلت) شوق الأسير للتحرير.
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم 29 مارس 1910.. مظاهرات ضد خطاب الرئيس الأمريكى روزفلت فى الجامعة المصرية
السبت، 29 مارس 2014 08:38 ص
الرئيس الأمريكى روزفيلت
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة