د. محمد على يوسف

مناسبات إنسانية أم مزادات موسمية؟

الجمعة، 28 مارس 2014 08:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
التسليع أو الـCommodification مصطلح انشغل به بعض منظرى الحضارة الغربية فى العقود الأخيرة بعد أن انتبهوا فى لحظات حضارية فارقة إلى تلك الحقيقة المفزعة حقيقة أن رأسماليتهم المفرطة قد أغرقتهم فى آلية تسليع أى شىء وكل شىء حتى الإنسان ومشاعره ورغباته الوجدانية وعلاقاته الشعورية بمن حوله تم إدخالها إلى ماكينة التسليع العملاقة لتخرج فى النهاية سلعا جافة جامدة تباع وتشترى حب الأم وبرها أصبح له "يوم احتفالى ثابت فى السنة" مقترن بهدية كذلك حب الزوجة والزوج وأيضا عيد الأب، وذلك الأخير لم يتم تصديره بنجاح لبلادنا. طبعا كل هذه الاحتفالات مرتبطة بأيام محددة وبفواتير شراء ومواسم تربح تنتفع بها كبرى الشركات التجارية، التخلص من هذا الإرث الرأسمالى الذى اعتنقوه بشكل "لا شعورى" يعد فحوى دعوات بدأت تظهر هناك مؤخراً حين اكتشفوا أنه قد آل فى النهاية إلى "تسليع" للعواطف الإنسانية من أجل رواج سوق التجارة والمصالح المادية..
بزنس يعنى!

قبل أن يسارع البعض لقائمة الاتهامات المعتادة فى وجه أى محاولة لتأمل مآلات المعتاد والخروج من أسر المألوف أرجو منهم أن يسألوا أنفسهم بعض الأسئلة التأسيسية وقد رحلت منذ أيام إحدى هذه المناسبات وهى ما يعرف بعيد الأم:هل استمر الأمر على مراده الكلاسيكى الأول بإحياء تلك المشاعر الإنسانية أم أنه انحرف تدريجيا عن هذا المراد وصار مجرد روتين سنوى تغلب عليه المادية البحتة؟ هل ظلت تلك المناسبات تمثل إحياءً لقيم البر والمحبة تكون وقودا لها سائر العام أم أنها تحولت دون شعور إلى إرهاق معنوى ومادى سببه الإغراق فى "السلعية" التى تتحدد على أساس قيمتها المادية درجات المحبة ومعايير الاهتمام والتجاهل أو التقدير والإهمال؟

هل أثرت تلك المناسبات المستحدثة بشكل إيجابى على ما بعدها وما قبلها من الأيام (العادية) أم أنها جعلت كثيرا منا يركن قبلها إلى اقترابها ويكتفى بعدها بكونه قد أدى حقها؟فتجده يؤجل كثيرا من واجباته "العاطفية والوجدانية" تجاه الطرف الآخر سواء كانت أما أو زوجة أو قريب أو عزيز لمجرد شعوره بأن هناك مناسبة قادمة قريبا ومن خلالها سوف نصلح أو نعالج هذا التقصير عن طريق الهدية الثمينة ثم يكتفى فيما بعد المناسبة بأنه قد أدى ما عليه وجاب الهدية كتر ألف خيره، وهل ساهم كل ما سبق فى اختزال وتقليص حيز العاطفة والمشاعر الأسرية فأصبحت القاعدة هى الاستثناء بأن صار منحنى المشاعر ومسار الإحسان موسميا محدودا بينما أمرنا ربنا جل وعلا بأن يصاحبنا فى حياتنا كلها وسائر أيامنا وأوقاتنا وأفعالنا كبرت أو صغرت؟ "وَصَاحِبْهُمَا فِى الدُّنْيَا مَعْرُوفاً"هل أصبح هذا المنحنى والمسار الثابت بحاجة إلى مناسبة استثنائية أو احتفالية "موسمية" لها مسمى ويوم وتاريخ محدد وطقوس معينة لابد من وجودها لكى يتم تفعيل تلك القيم والأصول وتذكرها ومن دونها تكون الرتابة الحسية والجفاء الشعورى لشهور طويلة انتظارا للموسم من جديد؟

أسئلة تحتاج منا إلى إجابات صريحة والتفات إلى حقيقة مآلات الموسمية والسلعية التى باتت تسيطر على مجتمعاتنا.. إجابات لن أسعى لفرضها عليك عزيزى القارئ فقط أريد منك أن تغلق عينيك وتتصور بصدق حياتك من دون تواكل أو ركون لتلك المواسم وحينئذ ستسطيع أن تجيب بكل بساطة عن حقيقة ما يحدث وهل كانت مآلاته صحية على علاقاتنا وحياتنا الاجتماعية أم أننا بالفعل قد سقطنا فى فخ التسليع والمادية وصارت حياتنا ومشاعرنا عبارة عن مزادات موسمية؟








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة