قال الدكتور محمد فتوح أحمد، عضو مجمع اللغة العربية، إن تعريب الاستعراب يعنى ذلك الجهد العلمى الذى نهضت به طائفة من العرب المهاجرين إلى الأقطار الأوربية واستوطنت هذه الأقطار، وأسهمت فى حمل الثقافة العربية إلى أرجائها، وبفضل عطائها العلمى الدءوب تخرجت أجيال من المستعربين الأوربيين استطاعت بدورها رد الدين إلى الثقافة العربية، بحكم ما ترجموه، وحققوه، ونشروه، من ذخائر التراث العربى ومخطوطاته وكنوزه التى لا ينضب لها مدد.
جاء ذلك، خلال المؤتمر السنوى لمجمع اللغة العربية، فى دورته الثمانين، تحت عنوان التعريب، والذى افتتحه وزير التعليم العالى يوم 24 مارس، وتستمر فعالياته حتى يوم الاثنين 7 أبريل.
وأضاف فتوح، أن مثل هذه الزاوية من زوايا النظر تبرز قيمة الإسهام العربى فى تأسيس الاستعراب الحديث، كما تجلو ذلك التفاعل الحضارى بين الثقافات التى تهب بقدر ما تأخذ، وتعطى بيمينها ما قد تسترد بشمالها، وهى الحقيقة التى تبرهن على إنسانية المعرفة وعالمية العقل البشرى.
وأشار فتوح إلى الاستعراب الروسى، قائلاً: إنه لم تتشكل مدرسة مستقلة إلا فى النصف الأول من القرن التاسع عشر، ولكنه مع العقود الخاتمة فى هذا القرن أنجب كوكبة من العلماء الذين احتلوا مكانة مرموقة بين مستعربى العالم، خاصة بعد إدراج تدريس اللغات الشرقية، وفى مقدمتها العربية، ضمن برامج الدراسة الجامعية، ومن يومها بدأت تتأسس أقسام للغات الشرقية فى مدن روسيا المختلفة، وعلى رأسها مدينة بطرسبورج.
وأوضح فتوح، أنه فى مطلع القرن العشرين لا تلبث أن تشهد مرحلة جديدة فى تطور الاستشراق الروسى، والدراسات العربية بصفة خاصة، فبينما كانت المجالات الرئيسية للغة والأدب العربى تتركز فى مدن بطرسبرج وموسكو وقازان، إذ بها من نهاية العقد الثانى من هذا القرن تمتد بحيث تشمل كثيرًا من المعاهد الدراسية العليا فى الجمهوريات غير الروسية.
وأكد فتوح أن ذلك له أهمية خاصة، لأن ثمة صلات حميمة تاريخية وتراثية تربط بين الشعوب العربية وشعوب آسيا الوسطى التى خضعت للسلطة السوفيتية منذ زمن ليس بالبعيد، فمعظم هذه الشعوب يدين بالإسلام، وهم ينتمون حضارياً إلى التراث الإسلامى، ولهم فى تاريخه مشاركة وفى ثقافته نصيب.
وأشار فتوح، إلى تضاعف الأهمية التاريخية للجهود التى يبذلها علماء الاستشراق فى هذه المناطق التى يمكن اعتبارها حقولاً بكرًا للدراسات العربية، إذا نظرنا إلى هذا التراث الضخم من المخطوطات الشرقية التى تحفل بها متاحف ومكتبات "طشقند" و"باكو" و"تبليسى" وغيرها من عواصم ومدن جمهوريات آسيا الوسطى، وهو تراث تفصح عن قيمته وخصوبته وثرائه تلك الحقيقة البسيطة، وهى أن قسم المحفوظات الشرقية فى مكتبة "طشقند" وحدها يضم الأن قرابة خمسة عشر ألف مجلد، معظمها باللغتين العربية والفارسية، وترجع إلى عهود ازدهار الثقافة الإسلامية والعلاقات الحضارية التقليدية بين الشرق العربى ودول آسيا الوسطى الإسلامية.
وأوضح فتوح، أنه من المفارقات الجديرة بالملاحظة أن هذه الزاوية الحديثة من زوايا الاستشراق الأوروبى نهضت فى الأصل على مشاركة جادة من قبل بعض العلماء العرب الذين ارتحلوا إلى روسيا فى القرن الماضى وقاموا بتدريس اللغة العربية وآدابها فى جامعات هذه البلاد ومعاهدها، وقد عاش هؤلاء العلماء ردحًا طويلاً من الزمن فى هذه المنطقة أتيح لهم خلاله معرفة لغة مواطنيها وطبائعهم وعادتهم وتقاليدهم، وكان لهم من الكتب والمحاضرات والنشاط العلمى بعامة ما أهلهم لأن يكونوا بين الطلائع الأولى من رجال الدراسات الشرقية الحديثة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة