كان فى مصر نشاط شرعى ورسمى اسمه "البغاء"، له قوانينه ولوائحه ورجاله وسيداته، ومر بمراحل نشاط وانكماش، ومن أيامه التى تحفظها كتب التاريخ، يوم "26 مارس 1938" الذى قرر فيه وزير الصحة:"عدم قبول مومسات جديدات، وعدم الترخيص بفتح بيوت دعارة جديدة غير الموجودة فعلا"، كان هذا هو نص القرار الذى يحمل وراءه حكاية طويلة عن تاريخ البغاء فى مصر .
هى قصة قديمة، لكننا نبدأها من عصرنا الحديث، من وقت اعتراف الحكومة به، ووضع لائحة بيوت العاهرات فى 15 يوليو 1896، ولائحة ثانية فى 16 نوفمبر 1905، والتى قالت شروطها: أن يكون للبيت باب واحد فقط، ولا يجوز وجود اتصال بينه وبين مساكن أخرى أو محلات عمومية، وبيت العاهرات هو البيت التى تجتمع فيه امرأتان أو أكثر من المتعاطيات عادة فعل الفحشاء، ولو كانت كل منهن ساكنة فى حجرة منفردة منه، أو كان اجتماعهن فيه وقتيا.
والراغبون فى فتح بيت للعاهرات يتقدمون بطلب للمحافظة قبل فتحه بـ15 يوما، ويحدد فيه الاسم والسن ومحل الميلاد، وأن يكون بالغا وغير محكوم عليه بعقوبة جنائية لارتكابه جناية عادية، أو سرقة أو تزوير أو نصب أو خيانة أمانة، ولا يجوز للبوليس دخول هذه البيوت نهارا لضبط المخالفات، ولا يجوز لهم الدخول ليلا إلا عند حدوث ما يخل بالأمن العام أو عند حدوث استغاثة.
فى كتاب "البغايا فى مصر" لمؤلفه عماد هلال، وكتاب "مجتمع القاهرة السرى 1901 _ 1951" للدكتور "عبد الوهاب بكر"، تعرف حدود هذا النشاط الآثم الذى عرفته مصر وتم تقنينه فى القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وتعرف أماكنه وطبيعة رجاله ونسائه، ومن أشهر مناطقه، الأزبكية، وباب الشعرية، والعباسية، والسيدة زينب، وبولاق، والخليفة، والوايلى، وهذا بخلاف الأقاليم.
جاء قرار وزير الصحة بعدم قبول مومسات جديدات فى يوم 26 مارس 1938 على خلفية حملة ضارية، قادها الشيخ "محمود إبراهيم أبو العيون"، انتهت إلى تجريم هذا النشاط عام 1949، وذلك من خلال سلسلة من المقالات فى الصحف، ومع انعقاد أول برلمان مصر عام 1924 أرسل "أبو العيون" طلبا يقترح فيه العمل على إلغاء البغاء رسميا فى مصر، ولاقت الحملة تجاوبا فى المحافظات، وكان مجلس محلى بنها أول من قرر إلغائه، لكن الداخلية رفضت، وتلاها بعد ذلك محافظات أخرى.
المثير فى هذه القضية، المعركة التى نشبت بين "أبو العيون" وبعض الأحزاب ورموز السياسة والفكر،وخاصة حزب "الأحرار الدستوريين"، وجريدة "السياسة" برئاسة الدكتور "محمد حسين هيكل"، حيث شنت هجوما ضاريا على "أبو العيون" وصل إلى حد وصف محرر "السياسة" له بـ"الشيخ الباغى البذىء، الأحمق", و"الشيخ الدجال"، كما قال فكرى أباظة الكاتب الصحفى والنائب البرلمانى:"إلغاء البغاء جريمة" غير أن الدكتور "إبراهيم الدسوقى أباظة" قال:"من العار أن يبقى البغاء رسميا فى مصر"، وكانت حجة الرافضين أن إلغاءه سيعنى انتشاره سريا، وبالتالى سيصعب الرقابة عليه.
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم26 مارس 1938.. منع قبول "مومسات" جديدات والاكتفاء بـ"بيوت الدعارة المرخصة"
الأربعاء، 26 مارس 2014 08:09 ص