قال الناقد الدكتور خيرى دومة، إن المقالة بأشكالها وأحجامها وموضوعاتها المختلفة نوع من الأدب، يحتل قطاعا هائلا من مساحة ما بات يعرف باسم الأدب العربى الحديث، فمعظم ما كتبه النديم والمويلحى والعقاد والمازنى وطه حسين والرافعى وهيكل دخل عالم الأدب من باب المقال.
جاء ذلك خلال ندوة بعنوان "العقاد والفنون"، ضمن فعاليات احتفالية الكاتب الكبير الراحل عباس محمود العقاد بعنوان "خمسون عاماً من الحضور المتجدد" بمحافظة أسوان، شارك فيها الناقد الدكتور خيرى دومة، والناقد شوكت المصرى، وأدارها الكاتب محمد الشافعى.
وأوضح دومة، أن المقالة باتت فى الربع الأخير من القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين، أكثر أشكال الكتابة احتراما، إلى الحد الذى جعل كثيرين يترددون فى كتابة القصة أو المسرحية أو الرواية وغيرها من أشكال الأدب النثرى، بينما لم يتردد أحد منهم قط فى كتابة المقالة، فقد كانت سوقها رائجة فى عالم الصحافة الجديد الناهض المكتسح فى صحف كالهلال واللواء والمقتطف والسفور وغيرهم.
وأضاف دومة إن المقالة هى الفن الأكثر احترما، مشيرا لرسالة توفيق الحكيم لأحد أصدقائه وتكلم فيها عن احترام فن المقالة وقال لابد للأديب المصرى أن يكون صاحب وكاتب مقال لان عالم الأدب سيحترم جدية عمله.
وأكد دومة أن لا أحد يلاحظ مكانة أدب المقالة فى التاريخ الأدبى الحديث، ومن الممكن أن يكون سبب ذلك أنها مرتبطة بلغة الصحافة وظلت المقالة شكلا هامشيا لتاريخ الأدب والأدباء، وهناك العديد من كبار الكتاب التى تنوع كتابتهم من حيث الشكل والموضوع.
وقارن دومة بين طريقة الكبيرين طه حسين والعقاد فى كتابة المقال قائلا، إن طه حسين حول فى مقالاته دراسة الأدب والتاريخ واللغة والسياسة والتربية إلى حديث قصصية نطوى على أخذ ورد وحوار ودراما، تعكسها المقالات التى جمعها فى كتبه وبحوثة النقدية والتاريخية والتربوية المختلفة، كحديث الأربعاء والفتنة الكبرى وعلى هامش السيرة والمعذبون فى الأرض، بينما قدم العقاد حتى السير الشخصية للخلفاء الراشدين ولبعض آل البيت ولشعراء كبار، كسيرة محمد والصديق وعمر بن أبى ربيعة، وهى سير قصصية بطبيعتها، فقدم كل هذه السير المختلفة فى صورة دراسات يحكمها المنطق التحليلى وليس القص ولا الحديث الحر.
وأكد دومة أن طه حسين فى مقالاته امتداد واع لتاريخ عربى طويل، والعقاد وعى من البداية أنه لا يود أن يكون امتدادا لأحد، وإنما يحب أن يكون مؤلفا كاتبا حديثا، يصوغ عباراته بدقة وتجريد فلسفيين، لا يحكى ولا يتحدث بكلامه إلى مستمعين حاضرين أمامه، وإنما يكتب بحثاً إلى قراء ليسوا حاضرين فى المشهد.
وأضاف دومة، أن طه حسين كان يكتب مقالاته تحت ضغط الواقع النفسى والشخصى العام، وكانت جزءا من معارك استراتيجية متتابعة مع مجتمعه بالمعنى الواسع، وإنما العقاد كان يكتب مقالاته تكتب فى الغالب استجابة راضية هادئة لما تطلبه الصحيفة، وفى معارك مباشرة مع الخصوم السياسيين والثقافيين، وفى استعراض واضح لمقدرة العقاد العالم القارئ على الكتابة فى أى موضوع يطلب الكتابة فيه، بحيث صارت كتبه المقالية موسوعات متنوعة الموضوعات.
ومن جانبه قال الناقد شوكت المصرى، إن كل تجديد صحيح فى فن التصوير لا ينافى فكرة الأساتذة الأقدمين عن الفن ونظرتهم إلى الأشياء على الإجمال، لأنهم لو عادوا اليوم لما رفضوا أن يفيدوا فى تصويرهم مما أحدثته علوم التشريح وملاحظة النور والظلال ولكانوا مجددين حين لا يتمادى التجديد إلى الشعوذة والبهلوانية، وهذه خلاصة رؤية العقاد لصراع الحديث مع القديم فى الفن التشكيلى.
وأوضح المصرى أن العقاد تناول فى مقالاته بـ"البلاغ الأسبوعى" والهلال بالنقد والتحليل مجالات عدة من الفنون، يأتى فى مقدمتها الفن التشكيلى، وتحديدا اللوحات الفنية والمنحوتات، واللذين نالا الجانب الأكبر من اهتماماته.
وأكد المصرى أنه لم يحصر العقاد نقده للفنون على الصور واللوحات الفنية التى تعرض لها فى مقالاته الشهرية والأسبوعية، وإنما نال فن النحت جانبا كبيراً من اهتمام العقاد ونقده.
وأضاف المصرى أن العقاد لم يكن يقصر رؤاه على تناول الصور الفنية والتماثيل بالنقد والتحليل، وإنما كانت له مقالاته أيضاً فى نقد الموسيقى وأصولها وتتبع مبدعيها وفنونهم.
وأشار المصرى إلى أن العقاد تناول فى مقالاته فن النكتة عند المصريين، وعد أبطاله جنود إبداع مجهولين فى المجتمع المصرى، وهو فى تناوله لفن النكتة والظرفاء يكتب تحت عنوان "الظريف المجهول" بمجلة الهلال الشهرية داعياً لبناء نصب تذكارى لهؤلاء الفنانين الذين لا غنى للمجتمع عنهم وعن قفشاتهم.
وأضاف المصرى أن العقاد تعامل مع الفنون الجميلة بذات الرؤية التى تعامل بها مع الشعر والأدب، إذ كان تناوله للموسيقى والرسم والنحت والتمثيل نابعاُ من رؤاه النفسية للفن، وهو بذلك محققاً لوظيفة الناقد الرئيسية وعالمه، أو بين الفنان وواقعه.
وأكد المصرى على أن مقالات العقاد وكتابته عن الفنون تحتاج جهداً كبيراً لتحليلها والوقوف أمامها بالدرس والتفنيد، خاصة تلك المقالات التى تناول فيها صوراً زيتية ورسومات وتماثيل لفنانين غربيين، وهو فى ذلك التناول لم يكن فقط يحمل ثقافات وفنون المجتمعات الأخرى لقرائه، وإنما يقدم تحليلا وموقفاً من هذه الفنون والمدارس والاتجاهات الفنية.