تنص المادة (97) من الدستور المصرى على : التقاضى حق مصون ومكفول للكافة. وتلتزم الدولة بتقريب جهات التقاضى، وتعمل على سرعة الفصل فى القضايا، ويحظر تحصين أى عمل أو قرار إدارى من رقابة القضاء، ولا يحاكم شخص إلا أمام قاضية الطبيعى، والمحاكم الاستثنائية محظورة .
كما تنص المادة (246) من الدستور على: "يُلغى الإعلان الدستورى الصادر فى السادس من يوليه سنة 2113، والإعلان الدستورى الصادر فى الثامن من يوليه سنة 2113، وأى نصوص دستورية أوأحكام وردت فى الدستور الصادر سنة 2112 ولم تتناولها هذه الوثيقة الدستورية تعتبر ملغاة من تاريخ العمل بها، ويبقى نافذاً ما ترتب عليها من آثار."
والمادة (247) على: "يُعمل بهذه الوثيقة الدستورية من تاريخ إعلان موافقة الشعب عليها فى الاستفتاء، وذلك بأغلبية عدد الأصوات الصحيحة للمشاركين فيه."
مما سبق من نصوص دستورية نستخلص الآتى :
- لا يجوز تحصين أى قرار أوعمل إدارى من الرقابة القضائية، بما يجعل تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية شيئا متعارض مع صريح النص الدستورى.
- تم إلغاء كافة النصوص الدستورية السابقة لهذا الدستور، بما فيها الدستور السابق ذاته، فلا يعقل أن يكون هناك سند لتحصين اللجنة من الإعلانات الدستورية السابقة.
- وجوب العمل بنصوص الدستور منذ إعلان النتيجة بالموافقة عليه.
ثم.. فى لقاء الرئيس برؤساء الأحزاب والتيارات السياسية، برر التحصين بأن الدستور فى مادته رقم (228)، أبقى على لجنة الانتخابات الرئاسية القائمة لتتولى الإشراف على الانتخابات الرئاسية القادة فيما كان نصه: "تتولى اللجنة العليا للانتخابات، ولجنة الانتخابات الرئاسية القائمتين فى تاريخ العمل بالدستور، الإشراف الكامل على أول انتخابات تشريعية، ورئاسية تالية للعمل به، وتؤول إلى الهيئة الوطنية للانتخابات فور تشكيلها أموال اللجنتين."، وبررت الرئاسة أن اللجنة القائمة معها تحصين من السابق ولذلك فهى محصنة.
وهوأمر مردود وعذر أقبح من ذنب، إذ أن التحصين السابق للجنة الانتخابات الرئاسية كان نابعا من المادة (28) من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011، والتى جاء فيها: "..... وتكون قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها، غير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أية جهة، كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أوالإلغاء، كما تفصل اللجنة فى اختصاصها، ويحدد القانون الاختصاصات الأخرى للجنة...."، وهذا الإعلان ألغى بدستور 2012 السابق للدستور الحالي، فلا يجوز الاعتداد بأى نص من هذا الإعلان الدستورى الذى أصبح من الماضي، ولا سيما وإن تعارض هذا النص مع نص دستورى صريح بحظر تحصين أى قرار أوعمل إدارى ضد الرقابة القضائية.
ثم.. إن الفكر الإنسانى استقر منذ أن أعلن العالم "الإعلان العالمى لحقوق الإنسان" و"العهد الدولى للحقوق المدنية والسياسية"، على ألا يجوز حرمان أى شخص من التقاضى ومن ممارسة الرقابة القضائية على الأعمال والقرارات التى من شأنه رقابتها، وعلى هذا، كان من حق ذوى الشأن فى الانتخابات الرئاسية _ المرشحين _ أن يتقدموا بالطعن القضائى على قرارات اللجنة المشرفة على الانتخابات، كحق إنسانى لصيق بهم لا يجوز التعرض له بالوقف أوالإلغاء التزاما بما وقعت عليه مصر من الاتفاقيات الدولية التى أقر الدستور الحالى أنها جزء من التشريع المصرى كما جاء فى نص المادة (92) : "الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصًا، ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها." والمادة (93) : "تلتزم الدولة بالاتفاقيات والعهود والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان التى تصدق عليها مصر، وتصبح لها قوة القانون بعد نشرها وفقاً للأوضاع المقررة ."
ثم.. إن المبدأ الأساسى للدولة المدنية يقوم على الفصل بين السلطات والرقابة المتبادلة، ومن ذلك، الفصل بين السلطة التشريعية والسلطة القضائية، وعليه فلا يجوز إصدار قانون من السلطة التشريعية يعيق عمل السلطة القضائية ويمنعها من أداء دورها فى الرقابة القضائية، وهوما حدث فى هذا التحصين بأن تغولت السلطة التشريعية متمثلة فى رئيس الجمهورية المؤقت، على حق السلطة القضائية ومنعت رقابة القضاء على اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية.
وعلى ذلك.. فإن تحصين لجنة الانتخابات الرئاسية الذى جاء فى نص المادة (7) من قانون تنظيم الانتخابات الرئاسية، والذى نصه: "تكون قرارات اللجنة نهائية ونافذة بذاتها وغير قابلة للطعن عليها بأى طريق وأمام أى جهة كما لا يجوز التعرض لقراراتها بوقف التنفيذ أوالإلغاء."، يأتى مخالفا للدستور المصري، ومخالفا للاتفاقيات الدولية الملتزمة مصر بها ولها قوة القانون، ومتعارضا مع مبدأ الفصل بين السلطات، بما يمثل اعتداء سافرا على دولة القانون وتجنيا على المبادئ العليا للدولة المدنية، ومنذرا بمجئ رئيس مطعون فى دستوريته، بما يفتح بابا للطعن عليه ويجعل منصب الرئيس مهتزا ولاسيما والتربص بمصر من أعداء الوطن فى الداخل والخارج .
إن الإبقاء والإصرار على التحصين، يمثل ضررا بالغا، وشرخا خطيرا فى العلاقة بين سلطة الانتقال فى مصر وبين الثورة المصرية التى قامت فى الأساس ضد التلاعب والاعتداء على دولة القانون، ويمثل استمرارا لسياسة الأمر الواقع التى طالما انتهجتها السلطة المصرية فى التعامل مع القضايا المصيرية غير عابئة بالأسس القانونية والدستورية .
إن الحرص على الاستقرار السياسى لا يمكن أن يجعلنا نغض الطرف على التجنى على الدستور والقانون بحجة الإسراع فى تنقيذ الاستحقاقات بما يشوبه البطلان، بل إن الأولى هوالتريث سدا لأى ذريعة للتشكيك فى تلك الاستحقاقات وعلى رأسها منصب رئيس الجمهورية .
عاشت مصر حرة.
مجلس الوزراء
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة