بلغ الخليفة العباسى هارون الرشيد، من القوة مبلغا عظيما، لكن ولديه "الأمين والمأمون" كانا دراما حياته، فبقدر ما كان يمسك دولة العباسيين من أطرافها إلى قلبها بكل قوة، لم يكن يشعر بالاطمئنان إلى بقائها فتية بعد وفاته، فولداه يضمران الشر لبعضهما، ومما يروى، أن "الرشيد" فى أواخر أيامه كشف عن بطنه لأحد أصدقائه فإذا عليها عصابة من حرير، ثم قال له: "هذه علة اكتمها عن الناس كلهم، وكل واحد من ولدى على رقيب، وما منهم أحد إلا وهو يحصى أنفاسى ويستطيل دهرى".
اشتدت العلة على هارون الرشيد وهو فى طريقه إلى خراسان للقضاء على ثورة "رافع بن الليث"، وتوفى فى مثل هذا اليوم "24 مارس 809"، وبمقتضى هذه الوفاة، أصبح فى نفس اليوم ابنه "الأمين" خليفة المسلمين الجديد.
بدأ الطريق إلى "الأمين" من اللحظة التى خضع فيها "هارون" لتأثير زوجته "زبيدة" ابنة عمه "جعفر المنصور"، والتى أقنعته بأن يعطى ولاية العهد لابنه "الأمين" لأنه هاشمى خالص، وتقاطعت هذه الرغبة فى البداية مع رغبة "هارون"، الذى كان يميل إلى إعطاء ولاية العهد لـ"المأمون" باعتباره الأكبر، والأكثر رجاحة فى العقل والتفكير والأدب والتزامه بأدب السلاطين والخلفاء، بينما كان "الأمين" مستهترا، لكن نقطة ضعف "المأمون" ظلت فى أمه "مراجل" التى كانت جارية فارسية، وماتت بعد ولادته بأيام قليلة، لكنها تركت لـ"المأمون" مسألة أن نصفه "أعجمى".
لبى "هارون" رغبة زوجته "زبيدة"، وأعطى ولاية العهد لـ"الأمين" وعمره 5 سنوات، على أن يخلفه شقيقه "المأمون"، وكانت هذه القسمة الطريق إلى الفتنة بين الشقيقين، ويحفظها تاريخنا الإسلامى باسم: "الفتنة الثالثة" بعد فتنتى قتل عثمان بن عفان، ثم قتل على بن أبى طالب رضى الله عنهما.
أعطى "المأمون" البيعة لأخيه "الأمين"، وأقام فى خراسان، وأهدى لأخيه تحفا ونفائس، لكن الشك بينهما كان قائما فى النفوس، ومن وراء الستار كانت "زبيدة" أم "الأمين" تواصل مخططها للمستقبل بإقناع ولدها بأن يخلع ولاية العهد من شقيقه "المأمون" عكس ما قرر والده.
وأمر "الأمين" بالدعاء لابنه موسى بولاية العهد، بعد ولى العهد "المأمون" والقاسم، فانطلقت شرارة الفتنة بين الشقيقين، للتحول إلى حروب، وساعد عليها سوء حكم "الأمين"، مما صرف عنه الكثير من الاتباع والقادة.
فى الجولة الأخيرة من صراع الاثنين، كان نصيب "الأمين" القتل، ولما بلغ "زبيدة" هذا الخبر بعثت برسالة إلى "المأمون" تقول فيها: "أهنئك بخلافة قد هنأت نفسى بها عنك قبل أن أراك، ولئن كنت قد فقدت ابنا خليفة، فقد عوضت ابنا خليفة لم ألده وأسأل الله أجرا على ما أخذ، وإمتاع بما عوض". وأكرمها "المأمون" حتى ماتت.
سعيد الشحات يكتب ذات يوم.. 24 مارس 809.. "الأمين" خليفة للمسلمين بعد وفاة والده هارون الرشيد
الإثنين، 24 مارس 2014 09:51 ص