الصحة والتعليم، يقابلهما المرض والجهل، وبالتالى الفقر.. من أجلهما تقوم الثورات، وتسقط الحكومات.. وفى النظم الديموقراطية حيث القيمة العليا، هى المواطن تتبارى الأحزاب السياسية فى وضع برامجها السياسية وعلى رأس أولوياتها هاتين الركيزتين.
والعملية الديموقراطية ليست اقتراعا سريا وتداولا للسلطة فقط, فدخول حقوق الإنسان كأحد أهم مؤشراتها جعل بناء نظام صحى متطور ومنظومة تعليمية متقدمة ومستدامة انعكاسا لهذه القيم الديمقراطية, فالديمقراطية وإن كانت عملية سياسية بالأساس إلا أن مردودها الاقتصادى والاجتماعى هو الفيصل والغاية.
وبالنظر إلى الحالة الثورية المصرية، نجد أن نظام مبارك لم يقم بتجريف البنية التحتية للقطاع الخدمى بشكل عام, بل قام أيضا بصنع أبنية وهياكل مشوهة لكيانات من الصعب أن نطلق عليها نظما بالمرة, وهذا يعيق استكمال بناء تلك الأجسام المشوهة أو اتخاد قرار ثورى بهدمها والبناء من جديد.
إن أخطر ما ورثناه من الحقبة المباركية، وأثر تأثيرا سلبيا على ثقافتنا، ومن ثم إدراكنا وتحليلنا للأشياء هو المقولة الكذوبة"، هناك فرق بين وزارات الإنتاج ووزارات الخدمات، "وبغض النظر عن دحض هده المقولة، وأن جميع الوزارات فى أى حكومة وزارات خدمية بما فيها الأمن والدفاع والخارجية، ووزارات المجموعة الاقتصادية, والفارق الوحيد بينها أن هناك وزارات تحصل رسوما على تأدية الخدمة ووزارات تؤدى الخدمة بالمجان.
من هنا كانت الإجراءات العقابية للوزارات التى تؤدى الخدمة بالمجان شاملة المواطن، ومقدم الخدمة مما أدى لانهيار كامل لكل مرافق الدولة، وبهذا أعطى نظام مبارك دورا مختلفا للحكومة يتناقض تماما مع مهامها الأساسية ومع الأسس التى تنتخب من أجلها.
وبهذا تخلت الدولة عن مهمتها الأساسية، وهى خدمة المواطن وتركته عرضه لنظم بديلة تلبى حاجته، وخدماته فنشأت منظومة للدروس الخصوصية، حلت محل المدرسة والجامعة, منظومة متكاملة، من الخدمات الصحية الخاصة حلت محل مستشفيات الدولة, وأصبحت مستشفيات الدولة للفقراء فقط, والكارثة الأكبر أن صاحب الخدمة فى المنظومة الخاصة هو نفسه المكلف بتأديتها فى القطاع الحكومى المنافس, وتناقض المصالح هذا يصعب معه أن تجد مدرسا أو طبيبا متفانيا فى القطاع الحكومى، لأن هذا سيؤدى إلى انهيار منظومته الخاصة الأكثر ربحا, خصوصا مع انهيار الرواتب بالقطاع الخدمة الحكومى حتى أن رواتب المدرسين والأطباء أصبحت عارا على الإنسانية ومنافية لكل أعراف العمل المتعارف عليها، وفق منظمات العمل الدولية.
فالثورة المصرية قامت وأجر الطبيب لا يتجاوز 50 دولارا، فى الشهر, فى حين كان أقل تعاقد له بدول الخليج 2000 دولار شهريا .. ويعد هذا أكبر تحد أمام بناء منظومة خدمية حقيقية فهجرة الكفاءات خارج القطاع الحكومى سواء كانت هجرة داخلية أو خارجية تجعل الأطباء والمدرسين لا يعبأون بالنقاشات حول الكادر وتحسين الأجور فمهما كان العائد من الدولة لن يكون بديلا مناسبا لما يحققه من دخل خارج المنظومة الحكومية.
إن أخطر ما تواجهه استراتيجية مصر الصحية أنها بلا ملامح وبلا رؤية .. حتى الجهة التى ستحدد هذه الرؤية غير معروفة أو محددة .. هل هى الحكومة بمعنى الدولة أم المجتمع كله بوصفه صاحب الحق الأصيل, أم وزارة الصحة بوصفها الجهة التنفيذية المسئولة, أم البرلمان بصفته الجهة التشريعية الموكلة، بنسف المعوقات الإدارية والتشريعية المعوقة لتطوير القطاع الصحى, إن مصر بحاجة لسياسات عامة تحدد هوية القطاع الصحى, وتحدد درجته فى أولويات البناء الوطنى, وتحدد دور القطاع الخاص فى دعم هذه المنظومة بما يحقق ضمان حق المواطن فى الحصول على حقه خدمة صحية حقيقية.
البدوى محمد البرعى يكتب: الصحة وتجريف القطاع الخدمى فى مصر
الإثنين، 24 مارس 2014 08:02 ص