هشام يحيى يكتب: الهروب الكبير

الأحد، 23 مارس 2014 02:48 ص
هشام يحيى يكتب: الهروب الكبير صورة أرشيفية

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لماذا يخيّل لى دائما أن المواطن المصرى فى حالة هروب دائمة؟ كل أفعاله وخطواته تدل على هروبه من شىء ما! يذهب إلى العمل ليهرب من زوجته ومن طلبات أولاده التى لا تنتهى.. وفى طريقه للعمل يركض بسرعة على قدميه أو بسيارته هربا من الزحام ولجان المرور وينحدر إلى أقصى اليمين هاربا من إحدى المطبات ثم إلى أقصى اليسار هاربا من بركة مياه.. وإن كان سائرا على قدميه يركض بسرعة فى منتصف الطريق نحو السيارات هاربا من الحياة بأكملها.

وفور وصوله إلى عمله تبدأ محاولاته ( للتزويغ ) واختلاق الأعذار هروبا من مواجهة مديره وعملائه وهروبا من العمل حتى يخرج منه إلى المقهى أو السير بلا هدف فى الشوارع هروبا من الواقع والحقائق المرعبة والمستقبل الغامض الذى ينتظره.

المبيعات الخيالية لجميع أنواع الأدخنة.. وازدهار تجارة المخدرات والمليارات التى ينفقها المصريون على المكيفات أليست تدل على احتراف المصريون للهروب؟

الجلوس لساعات طويلة أمام التلفاز أو الإنترنت لا يعنى سوى شيئا واحدا أن الواقع ممل والأفضل هو الهروب منه إلى العالم الافتراضى.

عندما أسأل أحدهم كم الساعة الآن أشعر أن إجابته تحمل إجابة أخرى تعنى لا يهم! والسؤال الأصعب هو كم عمرك؟ ويبدو لى الآن أن السؤال يجرح الكثيرين.. السؤال يحمل بداخل ما هو أعمق من مجرد السؤال عن العمر.. ماذا أنجزت فى عمرك؟ لماذا تأخرت عن تحقيق شىء قبل رحيلك؟ ماذا سوف تفعل فى الأيام الباقية لك؟ وهل يتبقى لك الكثير؟

إن الهروب حتى من السؤال ومن الإجابة أصبح حال المصريين، إذا وجدت أحدهم كثير المزاح فاعلم أنه يهرب من التحدث بجدية لأنه لم يعد هناك جدوى من ذلك.

حتى الذى يسخر بكوميديا من كل من حوله هو فى الواقع يهرب من شىء ما.. هل تعرفون ما هو؟ إنه يستخدم الضحك هربا من البكاء.. يسخر بشكل هزلى من كل شىء حتى لا يموت من الإحباط والكبت، ينفجر ضاحكا من كل الكوارث حتى لا ينفجر غيظا منها!

الفنان يخلق عالما خياليا حالما يصنعه بنفسه اعتراضا منه على الواقع وذلك أحد أشكال الهروب.

لا أجد مبررا لمن يرقص بضمير حى فى أحد الأفراح وبشكل هيستيرى إلا أنه أخيرا وجد منفذا للهرب والحجة أنه سعيد بزواج أحد أصدقائه.. ربما!

ومن وجد نفسه يهتف بصوت حاد فى مظاهرة أو يصرخ فى إحدى التجمعات أو يبكى فى إحدى الجنازات.. أنها فرصة للهروب من السكون إلى العاصفة.. من الصمت إلى الصراخ.. من اللا شىء إلى أى شىء!

وفى نهاية المطاف يحصل على تأشيره ثم يرحل بلا عودة بعد فشله فى محاولات الهروب الصغيرة إلى الهروب الكبير خارج البلاد أو خارج الدنيا .





مشاركة




التعليقات 1

عدد الردود 0

بواسطة:

أماني

تحليل أكثر من رائع

اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة