حول رحلة البهجورى مع الريشة الساخرة واللون ومعرضه الحالى وإصداراته كان لـ"اليوم السابع" هذا الحوار..
ما هى الفكرة التى يدور حولها معرضك "الحنين للماضى"؟
النوستولوجيا فكرة معرضى الأساسية، أعبر عن الشعب المصرى، فبطل المعرض هو بائع السميط والخبز، لأن البلد فى حاجة إلى الخبز. أجلس على أرصفة المقاهى بوسط المدينة لأرسم الحياة، والمرحلة البائسة أحياناً أو المتفائلة بوطن جديد. أرسم رب العائلة الذى يمر أمامى وخلفه زوجته وأطفاله. تعبيرات وجة لاعبى الدومينوو الكوتشينة بالمقهى، مأساة المرحلة الصعبة التى يمر بها الوطن والمواطن الذى بالرغم من كل المحن والصعاب التى واجهها لم يفقد ابتسامته.
وهل لديك معايير لقبول أو رفض شخصية ما؟
لا أحب رسم الشخصية المفتعلة، فهناك شخص يرتدى قناعا ومن ثم لا أستطيع التهكم عليه لأنى لا أعرف طبيعة روحه، فالكاريكتير يبحث عن الروح. ولا يوجد وجه صعب فى الرسم، فلا أحد يمكنه أن يفلت من ريشتى.
لقب كوفى عنان رسامى الكاريكاتير "برسل السلام"، فكيف تنظر لدور الكاريكاتير؟
التقيت كوفى عنان الأمين العام للأمم المتحدة سابقاً فى التسعينات ضمن حملة "رسامى الكاريكاتير من أجل السلام"، والتى ضمت أفضل مائة رسام كاريكاتير فى العالم، كان ترتيبى بها الـ17 حيث مثلت الشرق الأوسط، وقد اقتبس "عنان" كلمة المسيح "اذهبوا إلى بقاع الأرض وتحدثوا بالسلام" حيث دعانا كرساميين إلى نشر البسمة والسلام قائلاً أنتم "رسل الكاريكاتير" يمكنكم حل مشكلة العالم أكثر من السياسيين، فتجولنا كرساميين فى عواصم العالم وأقمنا مهرجان للكاريكاتير فى كل بلد، وقد اتُهمت بالتطبيع لمشاركتى فى هذا المهرجان نظراً لمشاركة رسام يهودى به، وطُلب منى مقاطعة الحدث فرفضت، فلماذا تكون المقاطعة هى السلاح الوحيد لدينا وأين نحن من الحوار؟
اغتيال ناجى العلى كان نقطة فاصلة فى تاريخ الكاريكاتير العربى، فما تعليقك؟
جسد ناجى العلى بطولة حقيقية، لم تحدث فى العالم أن يدفع رسام كاريكاتير حياته ثمناً للحرية، فـ"العلى" فنان رائع ورمز كبير، ثورة فى حد ذاته وقلم كبير يصر على تقديم ما يؤمن به. أحزن كثيراً لأنه لم يتم الكشف عن قاتله حتى الآن، فلقد أقمت معه أسبوع فى دمشق نهاية السبعينيات ورأيت كم كان إنسانًا خلوقًا ومبدعًا يشعق الوطن.
كيف تنظر إلى انتشار كتب الكاريكاتير مؤخراً، وما الذى دفعك لتقديم العديد منها؟
أصدرت عدة كتب تناولت تجربتى فى الكاريكتير والفن التشكيلى حيث أردت أن أسجل حياتى والدفاع عن وجهة نظرى، فانتشار هذه النوعية من الكتب يعُد شيئاً مهماً لمعرفة الأجيال القادمة بتجربة كل فنان. وأعمل حالياً على كتاب جديد بعنوان "خط واحد" تكملة مفهوم الخط الواحد معنوياً وتشكيلياً. فلا أحرك يدى من الورقة أو اللوحة قبل الانتهاء من الرسمة، كما أعُد لكتاب "مصر ريحة فين" ربما نعرف المصير الذى نسير صوبه.
على هامش إقامة أول متحف للكاريكاتير بالفيوم كيف ترى هذه الخطوة، وخاصة مع تخصيص غرفة لأعمالك به؟
الشرق لا يقدر معنى وقيمة الكاريكاتير، ويعتبر الرسام هزلى يطلق نكتا فقط، ربما اختلف الوضع بعض الشىء مؤخراً. أذكر أن السادات كان يعلق على النكت التى أرسمها، وأيضاً ذكر لى سامى شرف مدير مكتب جمال عبد الناصر أن الرئيس لم يكن يخرج من مكتبه قبل مطالعة روز اليوسف لرؤية رسومى له. لكن هناك بعض المسئولين فى الصحف لا يعوا قيمة الكاريكاتير. أرى أن الفنان محمد عبلة شخصية رائدة، فكر بشكل جيد فى الحفاظ على هذا الفن وتوثيقه بمكان مهم. وأشكره على تخصيص غرفة لى بمتحفه، وبالنسبة لاعتراض البعض على مكان المتحف باعتباره بعيداً عن القاهرة أقول أن هذه المتاحف فى العالم كله تكون خارج العاصمة، والكاريكاتير هو الذى يختار مكانه.
تُعرف أكثر كرسام كاريكاتير رغم تعاملك المستمر مع اللوحة، فلما جاءت الشهرة من خلال الفن الساخر وكيف تصف علاقتك به؟
خدمنى الكاريكاتير كثيراً، فعندما أكون متعجلاً وأرى صورة أم كلثوم على شاشة التليفزيون فى بيتى فأقوم برسم عشرين لوحة سخرية على أساس رسم صحفى إلى أن تتأكد الفكرة ومن ثم يكون من السهل التعبير عنها درامياً، لأنى حينئذ أكون قد هضمت روحها، الكاريكاتير من هذا النوع من البحث والتلخيص. طوال عمرى وأنا بروز اليوسف كنت أرسم تجارب بالقلم الرصاص لصفحة كاملة لأى من الشخصيات المشهورة بالكاريكاتير، أمزج بين السخرية والفكاهة، وهذا يجعلنى أركن الرسومات الكثيرة وابدأ اللوحة الجادة لأن لوحة الدراما باقية بينما الكاريكاتير هزار.. وعندما أستطيع إضحاك الشخصية المرسومة أتمكن من تجسيدها درامياً. أحب الشهرة جداً وأعتبر نفسى مراهق شهرة، لا أسعى لبيع اللوحة وجمع الأموال طالما تجاوزت مرحلة الستر، وهذه الشهرة جاءت من خلال النكتة المرسومة. فالكاريكاتير نوع من التعارف الجميل الذى صنع صداقة بينى وبين المتلقى، ابدأ معه بالهزار فيكون مستعداً لتلقى الجد منى، لأنه شعر براحة من خلال رسوماتى الكاريكاتيرية، وفى عشقى للشهرة أتشبة بعبد الوهاب حيث كان يتصل بأمال فهمى فى الستينيات ويطلب منها إذاعة أغنية خلال برنامجها "على الناصية" ويطلب نفس الشئ من مذيعة مايطلبة المستمعون، لآنه كان يعشق سماع أسمة رغم شهرتة ذائعة الصين أنذاك، فالشهرة مرض ونوع من الإدمان.
دخلت الوسائط الجديدة فى منافسة مع الكاريكاتير لتقدم لنا نماذج مختلفة، فكيف ترى هذا؟
هذه الوسائط ساهمت فى انتشار الكاريكاتير بصورة أكبر، ولكن النكت أو الصور التى يتم لصقها بجوارها تروج لمن يقدمها فقط، لكنه لا يعرف أو يجيد الرسم، هى تزيد من الخيال وهذا فى حد ذاته شىء جميل ولكنه لن يدخل فى منافسة مع رسامى الكاريكاتير.
إذن ما هى مقومات رسام الكاتير الناجح؟
الصدق والحرية، حرية الرأى فوق كل شىء، وعلى الفنان أن يكون صاحب موقف دائم إلى جانب المناضلين والفلاحين من أجل الشعب، لابد أن يكون مثقفاً وواعياً بكل ما يدور حوله حتى يعكسه من خلال أعماله، ليس منافقاً أو مدعى بل متمرد وغاضب ومحرض.
عندما يتقدم العمر بالمبدع هل يعتمد على تجربة وخبرات السنين أم يطور نفسه؟
المبدع بالطبع يستفيد من خبرات السنوات الماضية، بالنسبة لى أشعر أن الأداء حاليا أصبح سهلاً عن ذى قبل، إذا أخبرتك أن النكتة التى أرسلها لجريدة الأهرام أربع مرات أسبوعياً بعنوان " خط واحد" أكتبها فى ثانية، حيث تمكنت من اليد والخط فأطلقت عليها خط واحد، أى خط لايشتبك مع خط آخر، يعبر بسرعة، يضُحك، يكون صاحب رأى ومحرض على فكرة معينة أونقد لنظام رجعى أوحكم فاشى، خط يقول الكثير، أصبح من السهل مع تقدم العمر العمل، ولكن المشكلة تكمن فى ضعف عضلات اليد نتيجة المجهود، ولكن الشعلة والموهبة أكثر وهجاً واشتعالاً وأثقل فى الأداء، إلا أن خوفى من ألا يطاوعنى جسدى.




