على كل واحد منا، ومن أصدقائنا عبر العالم أن يحسب كل خطوة باستعمال مقياس أصبح متاحًا للجميع هو مقياس: "الاقتصاد، والاحتكار، والاستعمال، والاستعمار" يقيس به كل خطوة داخلية أو خارجية، من أول تعيين وزارة جديدة حتى انتخابات القرم، مرورًا بسد النهضة ، دون استثناء شهداء مسطرد وبلطجة الجامعات، كل هذا يمكن أن تحسب له دراسة جدوى بدقة بمقياس واحد، يبدأ بالاقتصاد المستقل فعلا، حتى الإنسان كما كرمه ربه بالعدل والعقول جميعًا، مع التوصية بالاستغناء، ولو مؤقت، عن مقاييس الديانات الجديدة المستوردة سابقة التجهيز، لو سمحتم.
أثار إريك فروم (العالم النفسى الأشهر) فى كتابه عن " تشريح عدوانية الإنسان 1973" تساؤلا مزعجًا يقول: هل مازال الإنسان نوعًا (حيويًا) واحدًا؟ ثم عرض احتمال أنه نظرًا لاختلاف اللغات والألوان والأوطان، قد يكون استقبالنا لبعضنا البعض قد وصل إلى اعتبارنا أجناسًا متعددة لا جنسًا واحدًا.
لا أظن أن المسألة تتوقف عند اختلاف اللغات والألوان والأوطان، ولا يكفى أن نعزوها لتلك المؤامرات الجارية ولا إلى الحروب الإقليمية المثارة ولا إلى الحروب الباردة المتجددة، ولا حتى الحرب العالمية الثالثة الملوحة، وإنما يتحدد الاختلاف في نوعية الحياة وأهدافها ورقيها وتطورها. ما دام الأمر كذلك فلابد من دراسة متأنية لهذا التعدد النوعى داخل الجنس البشرى، ربما يمكن أن يحدد كل منا إلى أى نوع ينتمى، ومن ثم يستعمل، ما دام أصيب بمحنة العقل والوعى، آليات التطور ومنجزات التاريخ للحفاظ على نوعه.
لقد توقفتْ معارف المتعجلين السطحيين عند قانون للبقاء تم نسخه عدة مرات يزعم أن "البقاء للأقوى"، لكن ثبت مؤخرًا (ليس مؤخرًا جدًا): أن "البقاء للأكثر تكافلا"، ليس فقط مع أفراد نوعه، وإنما مع سائر الأحياء، ثم أضيف قانون أرحب يقول "البقاء للأكثر تلاؤمًا مع محيطه بما فيه"، ثم أخيرًا صيغ الأمر فى صيغة بقائية أكثر تعقيدا وأشمل إحاطة، تقول "البقاء للأذكى تآمرا"، ياه !! فالتآمر للبقاء طبيعة حيوية منذ بدء الخليقة ، هذا ما بينه الكاتب الألمانى "ماتياس بروكز" فى كتابه "المؤامرة ": إن المؤامرة فى أصولها هى قانون ( برنامج ) بقائى حيوى ! فلماذا كلما استعملناه أو اكتشفناه أو تحدثنا عن بعض آثاره علينا، اتهمونا "بالتفكير التآمرى" ، ونصحونا بأن كل ما علينا لكى نبقى أحياء هو أن نضرب تعظيم سلام لكل ما يصدر عن "بابا أوباما" المهرج الراقص الغبى ، فهو أدرى بمصالحنا ، ومستقبل أجيالنا القادمة؟
ما دام الأمر كذلك، فها أنذا أدعو مجددًا للتآمر: باستعمال ما أتاحته لنا فرص التواصل التكنولوجية الجديدة عبر العالم، لصالح إنقاذ البشرية من المال المفترس والدولار المحتكر المستعملين للاتجار بالصحة والقتل فى آن .
نعم هى دعوة للتآمر، فالمعنى الأصلى للتآمر هو التشاور: "تآمروا: تشاوروا"، نحن الآن عبر العالم نتشاور مع بعضنا البعض، ربما ممثلين للنوع الأصلى من الجنس البشرى الذى عليه أن يدافع عن بقائه ضد الطفرة المشوِّهة التى غلبت على العالم المتغطرس، وتثبت هذه الأيام أكثر فأكثر أنها طفرة فاسدة سلبية.
كثير من الكوارث التى تجرى الآن فى العالم غامضة غموضا شديدا، وكلما زاد الأمر غموضا، وزادت دعايتهم ضبابية وألاعيب لزم البحث عن "مؤامرتهم الخفية"، أكرر دائمًا أن الذى يحكم العالم الآن هو هذه الشركات العملاقة والمافيا، وتجار المخدرات، وقوّادو الدعارة. مؤامرة العولمة (الأمريكية) تحاك لصالح هذه الفئات الأربع وتوابعها ومن يحتمى بها ومن يتآمر معها، وهى عملية إجرامية تغسل عقول البشر لصالح أقساهم وأغباهم، أما ما أدعو إليه على الناحية الأخرى عبر شبكات التواصل العالمية بعيدًا عن السلطات المركزية والأبواق الدعائية الرنانة الملتبسة، فهو الإسهام طول الوقت فى تشكيل الوعى البشرى الجديد الذى يتخلق بنشاط متزايد عبر العالم من خلال العمل الهادف ذى المعنى، والإبداع المغامر، والنقد المتصل، وكل ذلك جار على قدم وساق والحمد لله، فى كل الدنيا.
وعلى كل من يهمه أمر بقاء هذا النوع الجميل "الإنسان الأصلى" أن يدعو الله بمزيد من الإخلاص فى العمل ورفض الشرك، ثم ينتظر جائزته ممن لا يخلف الميعاد سبحانه: "وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى".
فأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ".