تتعدد الملفات والقضايا التى يجب على الرئيس القادم أن يحملها على عاتقة، للخروج بمصر إلى بر الأمان فى هذه المرحلة الحاسمة من تاريخها، فالداخل المصرى يموج ويعج بالإشكاليات التى تنتظر الرئيس القادم والتى يجب أن يكون له رؤية واضحة لمعالجتها وحلها، بالإضافة إلى عدد من الآشكاليات الخارجية التى لا تقل خطورة عن الداخل، مما يثقل كاهله، ولعل الملف الأول الذى سوف نستعرضه اليوم هو ملف الشباب، يرجع ذلك لاعتبارين: الأول أن الشباب هم أمل اليوم والغد ونواة الانطلاق لبنائه المستقبل المرجو الذى لطالما حلمنا به، فهم الوقود لدفع عجلة الانتاج والتقدم فى الوطن، فلن تحقق مصر ما تصبو إليه من تحسين لمستوى المعيشة وتحقيق تقدم اقتصادى ملموس بدون الاستغلال الأمثل لقدرات وإمكانيات الشباب الذى يمثل الفئة العمرية الأكبر فى مصر، والاعتبار الثانى كونى أحد مكونات هذه الفئة العمرية التى عانت كثيرا ومازالت تعانى ولم تأخذ حقها إلى يومنا هذا، لذا كان لزاماً أن أكتب مدافعا عن قضيتى وقضية كل شباب مصر بل قضية مستقبل وطن بأكمله.
ومن هنا على الرئيس القادم أن يضع ضمن أولوياته مجموعة من السياسات والتوجهات للتعامل بجدية مع قضايا الشباب ومشاكله، فيجب أن يشرع حال توليه سدة الحكم فى تنفيذ ما يلى:
أولا : تحقيق التمكين السياسى لا المشاركة: واحدة من أهم العوائق التى تقف حائلاً أمام الشباب فى الانطلاق هى عجز الأنظمة السياسية المصرية فى مراحلها المتعاقبة عن تفعيل دور الشباب فى الحياة السياسية بشكل واضح وملموس، ليكون شريكا فى اتخاذ القرار، لا مجرد منفذ له، بل كانت تقيد حدود مشاركته وتتعسف حيال حقوقه فى التعبير عن رأيه بالاعتقال أو التقليل من جدوى ما يطرحه أو من خلال عدم إتاحه القدرة على نشر فكرة وسماع صوته.
لقد حقق دستور 2014، تقدما ملموسا فى عملية التوجه نحو تفعيل وتمكين الشباب سياسيا، فقد نصت المادة 244 على "تعمل الدولة على تمثيل الشباب والمسيحيين والأشخاص ذوى الإعاقة تمثيلاً ملائماً"، كما نصت المادة 180 على "تنتخب كل وحدة محلية مجلساً بالاقتراع العام السرى المباشر، لمدة أربع سنوات، ويشترط فى المترشح ألا يقل سنه عن إحدى وعشرين سنة ميلادية، وينظم شروط الترشح الأخرى، وإجراءات الانتخابات، على أن يخصص ربع عدد المقاعد للشباب دون سن خمس وثلاثين سنة، وربع العدد للمرأة، على ألا تقل نسبة تمثيل العمال والفلاحين عن خمسين بالمائة من إجمالى عدد المقاعد، وأن تتضمن تلك النسبة تمثيلاً مناسباً للمسيحيين وذوى الإعاقة".
ومن خلال ما سبق نجد أن الرئيس القادم ملزم دستورياً بتحقيق ما ورد فى الدستور من نصوص تؤكد على تمكين الشباب فى الحياة السياسية، فتخصيص نسبة 25% من مقاعد المحليات للشباب هو أمر يضعنا على الطريق الصحيح، فالمحليات هى المدرسة الأولى لممارسة السياسة وتخدمنا مستقبلنا فى تحويل هذه القيادات الشبابية على المستوى المحلى إلى قيادات على المستوى المركزى لديها الخبرة الكافية، كما يجب على الرئيس أن يضع فى الحسبان ضمان التمثيل الحقيقى للشباب فى البرلمان، ويجب ألا يتوقف الأمر على هذا النحو فحسب، بل يجب على الرئيس القادم أن يكون له مستشار من فئة الشباب ويختار عددا من الوزراء ونوابهم من الشباب وكذلك أيضا بالنسبة للمحافظى والتأكيد على ضرورة وجود عنصر الشباب وإشراكه فى عملية صع القرار فى المؤسسات والهيئات المختلفة، حتى نستطيع أن نتحدث عن منظومة حقيقه تمكن الشباب .
ثانياً : التمكين الاقتصادى.. أخطر الملفات التى تطرح على طاولة الرئيس القادم بعد ملف الأمن القومى هو الملف الاقتصادى، فلابد من إيجاد الوسائل والآليات التى نستطيع من خلالها النهوض بهذا الوطن من كبوته، فالتقدم الاقتصادى وتحسين مستوى المعيشة، هو نقطة الانطلاق لمواجهة كافة مشاكلنا، فالاقتصاد بات يلعب الدور الأول فى عناصر القوة الشاملة للدولة، فلن تستطيع الدولة تطوير وتنمية قدراتها فى المجالات الأخرى دون وجود اقتصاد قوى.
لدينا 51.3% من الشباب يصنفون ضمن قائمة الفقراء، الأمر الذى يستوجب تحرك قوى وفعال من الدولة فى فتح أسواق جديدة للشباب وتنمية قدراتهم للتعامل مع هذه الأسواق، وعلى الدولة أن تشرع فى تنفيذ عدد كبير من المشروعات القومية الكبرى التى تستطيع أن تستوعب أكبر قدر ممكن من الشباب، وفتح المجال أمام تمويل المشروعات الشبابية بتسهيلات كبيرة، بل لا يجب أن يتوقف الأمر عند هذا الحد بل لابد من وجود مرتب مناسب يستطيع أن يضمن له حياة كريمة ويجعله قادرا على تكوين أسرة.
ثالثاً: تحسين المنظومة التعليمية.. أن رأس المال البشرى هو العنصر الأساسى فى تقدم أى مجتمع والنهوض به، وأن الاستثمار فى البشر هو أنجح وأفضل الاستثمارات على الإطلاق، فالتعليم هو النواة الحقيقة ونقطة الانطلاق لتقدم البشرية، وأن أى دولة فى العالم تريد أن تنهض فلابد لها من إعطاء أولوية واهتمام كبير بالتعليم والبحث العلمى، لذا لن تتقدم مصر دون إعادة النظر فى المنظومة التعليمية برمتها من التعليم الأساسى حتى التعليم الجامعى، لدينا منظومة أثبتت فشلها فى تخريج مواطن قادر على إفادة نفسه ومجتمعه.
للنهوض بالتعليم فى مصر بشقيه الجامعى وقبل الجامعى لابد من إتخاذ حزمة من الإجراءات والتشريعات والقوانين التى تساهم فى الارتقاء بمستوى التعليم، منها على سبيل المثال لا الحصر تحسين وتنمية أداء وإمكانيات المدرسين، النظر إلى التعليم باعتباره فكرة قومية لابد من مساهمة جميع القطاعات ومن بينها القطاع الخاص فى تطويره وتحسين جودته، زيادة الاستثمارات فى مجال التعليم، والتأكيد على ثقافة الجودة الشاملة فى نظمنا ومؤسساتنا التعليمية، وضرورة الاستفادة من التقنيات والتكنولوجيا الحديثة فى مجال التعليم.
رابعاً : القصاص.. لقد دفع خيرة شباب الوطن أرواحهم فى ثورة 25 يناير و30 يونيو لإحداث التغيير للأفضل وبناء مصرنا الغالية، لذا يجب على الرئيس القادم إلا يدع دون عقاب المسئول عن إراقة هذه الدماء الطاهرة التى سألت لتكتب صفحة جديدة مشرقة من تاريخ هذا الوطن، فعدم تحقيق القصاص العادل يشعرنا جميعا كمصريين لا كشباب فقط بخيبة أمل وحزن عميق يعتصر قلوبنا ألماً وحزناً، كما يجب على الدولة أن تحتوى الهوى الثورى للشباب واندفاعهم غير المسئول فى بعض الأحيان .
تعد النقاط سالفة الذكر أهم الخطوات التى يقع على الرئيس القادم الأخذ بها فى التعامل مع ملف الشباب، حتى نجد مخرج لأزمة الثقة بين الشباب والنظام السياسى ونستفيد من قدراتهم واستغلالها الاستغلال الأمثل للنهوض بالوطن.
صورة ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة