قال الدكتور مازن نجار، إنه بفضل الرقابة الحكيمة التى تمارسها الجهات الرقابية، خرجت المصارف العاملة فى دول مجلس التعاون الخليجى والمشرق العربى من الأزمة المالية العالمية فى شكل أفضل من العديد من المصارف الغربية، ولكن لا ينبغى النظر إلى مراكز رأس المال والسيولة كأمر مُسلّم به.
وأجرت شركة الاستشارات الإدارية بوز أند كومبانى دراسة حديثة حول مستويات الرسملة والسيولة لحوالى 64 مصرفاً إقليمياً، وجاءت النتائج مُنذرة بالخطر، حيث تواجه العديد من المؤسسات المالية احتمالية وجود عجز فى رأس المال والسيولة لديها فى الأجل القريب، ولاسيما فى ظل تطبيق تعليمات بازل 3 بشكل تدريجى ابتداءً من عام 2013 وانتهاءً بعام 2018. وللتصرّف حيال هذه الاحتمالية، ستحتاج المصارف إلى إدارة مستويات رأس المال والسيولة لديها بشكل أكثر استباقية فى القريب العاجل.
ومنذ نشوب الأزمة المالية العالمية، ساعد دعم رأس المال والسيولة الذى قدمته الجهات المُنظمة فى دول مجلس التعاون الخليجى والمشرق العربى فى الحفاظ على قطاع مصرفى قوى نسبياً، وعلى صعيد المنطقة، تصرفت الحكومات بشكل سريع لضخ سيولة نقدية فى النظام المصرفى من خلال وضع ودائع حكومية طويلة الأجل فى المصارف، ففى البحرين وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، قامت الجهات المُنظمة أيضاً بخفض معدلات الفائدة وتعديل متطلبات الاحتياطى سعياً لتحسين مراكز السيولة. ومن أجل مساندة مراكز رأس المال، قامت الكويت والإمارات العربية المتحدة بضخ رؤوس أموال مباشرة وقامت قطر بشراء الأصول المصرفية، وقد أثمرت تلك التدابير عن التأثير المنشود.
وعلى الرغم من أن مبادرات دعم رأس المال والسيولة التى نفذتها حكومات المنطقة ساهمت فى الحفاظ على المصارف الإقليمية فى حالة كفاية وملاءة مالية حتى الوقت الحاضر، أظهرت دراسة بوز أند كومبانى أن العديد من تلك المصارف قد تعانى عن قريب من عجز فى رأس المال والسيولة.
كما أنه وإلى حد بعيد، لم يتم بعد الانتهاء من وضع النسب الجديدة لمتطلبات رأس المال والسيولة بمقتضى اتفاقية بازل 3، ولكن مع كون مرحلة التنفيذ باتت قاب قوسين أو أدنى، وضعت بوز أند كومبانى عدة سيناريوهات استناداً إلى النسب الجديدة الأكثر احتمالية، وقد كانت النتائج جديرة بالذكر.
ووفقاً لهذا التحليل، سيؤثر الحد الأدنى الجديد لمتطلبات رأس المال الذى وضعته لجنة بازل والجهات المُنظمة المحلية تأثيراً ملحوظاً على المصارف، بما يشمل المؤسسات المالية ذات الأهمية الكبرى (SIFI)، وفى الواقع، فإن المتطلبات الجديدة أكثر صرامة، وتدعو إلى تخطيط رأس المال بشكل دقيق ومتكرر، ودمجه فى الاستراتيجية الشاملة للمصارف.
ويقول الدكتور مازن نجار، وهو شريك فى بوز أند كومبانى، ”استناداً إلى أداء المصارف فى عام 2012، قد يُخفق 15 من أصل 64 مصرفاً فى الوفاء بمتطلبات رأس المال إذا بلغت نسبة 16%، فى حين قد يُخفق 29 مصرفاً فى الوفاء إذا بلغت النسبة 18%، ولمعرفة كيف سيصير أداء المصارف فى المستقبل، نفذنا أيضاً سيناريوهين اقتصاديين لعام 2017: أحدهما يفترض تعاظم النمو تماشياً مع الزيادة المتوقعة فى الناتج المحلى الإجمالى، والآخر يفرض تراجع النمو، وكانت نتائج سيناريو التراجع مُنذرة بالخطر.
وفى إطار سيناريو التراجع، قد يُخفق 28 مصرفاً فى الوفاء بمتطلبات رأس المال إذا بلغت نسبة 16 بالمائة، بينما قد تُخفق 39 مؤسسةً ماليةً فى الوفاء إذا بلغت النسبة 18%.
وتتشابه الصورة، برغم كونها أفضل، عند النظر إلى رأس المال الأساسى. فعلى سبيل المثال، استناداً إلى أداء المصارف فى عام 2012، قد يُخفق مصرفان فقط فى الوفاء بالمتطلبات الجديدة لرأس المال الأساسى إذا بلغت نسبة 9.5%، فى حين قد يُخفق 11 مصرفاً إذا بلغت النسبة 12%، و22 مصرفاً إذا بلغت النسبة 14.5%، وفى إطار سيناريو التراجع فى عام 2017، قد يُخفق 25 مصرفاً إذا بلغت النسبة 14.5%.
واستناداً إلى النسب المحتملة والسيناريوهات الاقتصادية المختلفة، فقد يزيد عجز رأس المال من قرابة 11 مليار دولار أميركى فى الإجمالى فى عام 2012 إلى نحو يتراوح من 12 إلى 27 مليار بحلول عام 2017، وبناءً على هذا، فبمجرد تطبيق هذه المتطلبات الجديدة، سيتفاقم العجز فى رأس المال المتوافر للمصارف لتنفيذ خطط نموها.
وعلى جانب السيولة، تُطبق اتفاقية بازل 3 نسبتين جديدتين وهما نسبة تغطية السيولة (LCR) ونسبة صافى التمويل المستقر (NSFR) سعياً لتحسين قدرة القطاع المصرفى على استيعاب الصدمات الناشئة عن الضغوط المالية والاقتصادية، وبالتالى تقليل خطر امتداد الأزمة من القطاع المالى إلى الاقتصاد الحقيقى.
وتُشكل هاتين النسبتين الجديدتين عدداً من التحديات الهيكلية للمصارف العاملة فى دول مجلس التعاون الخليجى.
وجدير بالذكر أن شركة بوز أند كومبانى نفذت سيناريوهين لنسبة تغطية السيولة؛ سيناريو متحفظ وآخر متشائم. وبالاستعانة بإرشادات اتفاقية بازل 3، استخدمت الشركة مستويات مختلفة لنسب الاستقطاع (haircut) وغيرها من العوامل لوضع نسب السيناريو المتحفظ والمتشائم. ثم قامت باختبار قدرة كل مصرف على تلبية متطلبات نسبة تغطية السيولة حيث تم تطبيقها تدريجياً ابتداءً من نسبة 60% ووصولاً إلى نسبة 80 و100%، وكان للافتراضات المختلفة تأثير مهم على عدد المصارف التى يُحتمل أن تُخفق فى الوفاء بالنسب الموضوعة، مما يؤكد حاجة المصارف إلى بناء تدابير أكثر فعالية لإدارة السيولة لديها.
على سبيل المثال، ووفقاً للسيناريو المتحفظ، واستناداً إلى بيانات عام 2012، أخفقت 7 مصارف من أصل 64 مصرفاً فى الوفاء بنسبة تغطية 100 بالمائة؛ وهو العدد الذى تضاعف إلى 14 مصرفاً باستخدام الافتراض المتشائم.
ويضيف نجار قائلاً "فى المجمل، تتراوح قيمة الأصول السائلة المطلوبة للوفاء بنسبة تغطية 100% من 2.7 إلى 10.5 مليار دولار على أساس السيناريو المتحفظ والمتشائم. والأمر الذى أظهرته دراستنا لرأس المال والسيولة والتحليل اللاحق لهما أن المصارف العاملة فى دول مجلس التعاون الخليجى تتسم بدرجة متفاوتة من الجاهزية، فمن بين 64 مصرفاً خضعوا للدراسة فى دول مجلس التعاون الخليجى والمشرق العربى، كان لدى 16 منها مركزاً قوياً نسبياً من حيث رأس المال والسيولة، بينما كان لدى 18 منها مركزاً متوسطاً نسبياً".
كما شمل التقرير نسب الرفع المالى، ولكن هذه لا تُمثل مشكلة لأى مصرف عامل فى دول مجلس التعاون الخليجى نظراً لارتفاع مستويات الشريحة الأولى لرأس المال وانخفاض الانكشاف خارج الميزانية العمومية.
وسعياً لتجنب أوجه العجز هذه، يتعين أن تشرع المصارف العاملة فى دول مجلس التعاون الخليجى فى إدارة نسب رأس المال والسيولة لديها بشكل أكثر استباقية وتقليل الاعتماد على تدابير رد الفعل ”المساعدة“ من الحكومات والجهات المُنظمة.
وبناءً على ما سبق، ثمة خمس أولويات استراتيجية يتعين على جميع المصارف الالتزام بها، وهى التكامل بين استراتيجيات المخاطر على مستوى المصرف وتخطيط رأس المال وإدارة التمويل: تعظيم القيمة المحققة من خلال خلق التوازن السليم بين الأهداف الاستراتيجية ونزعة المخاطر وتوافر رأس المال والتمويل، والعمل على ضمان التكامل والتوافق الداخلى بين الأطراف المعنية من خلال تصعيد المبادرات إلى مستوى مجلس الإدارة والإدارة العليا.
واستخدام رأس المال بكفاءة وفعالية: تحديد عجز رأس المال، أى الفارق بين رأس المال المتوافر والمطلوب، وتحديد المصادر الداخلية والخارجية لمبادرات زيادة رأس المال، والعمل على توحيد هذه النتائج فى خطة شاملة لرأس المال وحشد الموارد اللازمة للتنفيذ.
وتعزيز التمويل وإدارة السيولة: تحديد عجز التمويل، أى الفارق بين التمويل المتوافر والمطلوب، وتحديد مصادر التمويل لسد هذا العجز، والعمل على توحيد هذه النتائج فى خطة شاملة للتمويل، وإيجاد رؤية مركزية وموحدة ودقيقة التوقيت لمركز السيولة لدى المصرف لفهم جميع احتياجات السيولة ومصادرها لتجنب حدوث عجز غير متوقع أو أى أزمة أخرى فى السيولة.
ودمج حوكمة المخاطر فى الهيكل التنظيمى والثقافة والعمليات: صياغة وتخصيص سياسات وإجراءات وعمليات معالجة المخاطر، بما يشمل تحديد عملية الائتمان الشاملة، وتوزيع أدوار ومسئوليات واضحة، ودمج العمليات فى الأدلة الإرشادية للسياسات والإجراءات.
والاستثمار فى إعداد التقارير والبنية التحتية للنظم والبيانات وتقنية المعلومات: استحداث تقارير وجداول متابعة لدعم مجلس الإدارة والإدارة العليا فى عملية صنع القرار، والعمل على خلق الشفافية بشأن الأداء والربحية المعدلة حسب المخاطر على مستوى مجموعة المصرف وشركاته التابعة من أجل تحسين القياس وزيادة المساءلة.
على الرغم من أهمية الامتثال لتعليمات بازل 3 الجديدة على المدى القصير، فليست هى السبب الوحيد لإدارة رأس المال والسيولة بشكل أكثر استباقية. فعلى المدى الطويل، سيتعين على المصارف أيضاً القيام بتطوير شامل لرأس المال والسيولة ومواجهة المخاطر، ويرجع السبب فى ذلك إلى أن المصارف الطامحة إلى النمو خارج الحدود، قد تجد متطلبات أكثر صرامة لرأس المال والسيولة فى تلك الأسواق الأجنبية، فضلاً عن ذلك، لتحسين العائد على رأس المال المرجح حسب المخاطر ومواصلة استقطاب دعم المساهمين، تحتاج المصارف إلى توظيف وتوزيع رأس المال بأكثر الطرق إنتاجية.
وفى نهاية المطاف، يلزم تبنّى إدارة أكثر استباقية وإيجاد تكامل استراتيجى لرأس المال والسيولة إذا رغبت المصارف العاملة فى دول مجلس التعاون الخليجى فى الوفاء بطموحات نموها والمنافسة على الساحة العالمية.
دراسة: البنوك العربية ستعانى عجزا كبيرا إذا لم تحسن إدارة رأسمالها
الأحد، 02 مارس 2014 11:36 ص