( إهداء إلى روح الغالية أمى )
كنت بالصغر لا أفهم سر حبى لفصل الربيع، أسعد كثيرا عندما تقوم مدرسة الفصل باختيار أربعة منا ليقوموا بتمثيل مسرحية "الفصول الأربعة" لتسهل علينا طريقة حفظهم، وعندما يقع الاختيار على أُفضل أن أكون أنا فصل الربيع, كنت دائما أردد أن فصل الربيع فصل يأتى إلينا بالمرح والأعياد، ففيه عيد الأم وأيضا يوم ميلاد أمى، وبالمرحلة الثانوية وجدت بكتاب النصوص قصيدة عن الربيع "للبحترى" ومطلعها يقول، أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا من الحسن حتى كادا أن يتكلما، يالها من رائعة غنية بالمحسنات البديعية والتشبيهات البليغة كلما قرأتها أشعر وكأن الكون أصبح ربيعًا، وتظهر أمامى صورة أمى.
ومرت السنوات وزاد حبى لفصل الربيع بل وعشقى له، وأدركت حينها لماذا؟ فبقدوم فصل الربيع أشعر أن الدنيا تدب فيها الروح وترجع لها أسباب الحياة من جديد بعد أن جردها الخريف من تلك الحياة، وجعلها جافة، خالية من الألوان المبهجة، كل شىء من حولى فى الربيع ينبض بالحياة مثلك يا أمى، فالربيع معتدل كطباعك ‘مرح مثل روحك، صافى كابتسامتك، نسمة الهواء شافية للنفس ككلماتك يا أمى.
وتمر الأيام ويأتى الربيع ويأتى معه الاحتفال بعيدك يا أمى، وبعده بعدة أيام نحتفل بيوم ميلادك، وأثناء احتفالنا بعيدك قلتى لى أريد أن أوصيكى وصية، قلت لك وماهى تلك الوصية قلتى أريدك أن تقفى على غسلى حينما أموت"، صرخت، وقلت لك لماذا تقولين هذا الكلام أطال الله بعمرك وبعدها بعدة أيام رحلتى عن دنيانا، وقبل أن نحتفل بيوم ميلادك، أيضا بعدة أيام، تذكرت الوصية وقررت أن أنفذها رغم أننى لا أقوى عليها، قالوا لى تقدرين قلت نعم أقدر، قالوا لا تبكى واقرائى آيات من القرآن، ودخلت وتماسكت وأثناء قراءتى للقرأن رفعت وجهى ونظرت إليكى وجدتك تفتحين عينك باتجاهى وتنظرين إلى صرخت، وقلت أن عينك فتحت وتنظرين إلى أغلقوها، وقالوا لى إنها تودعك واستأنفت قراءتى للقرآن وإذ بى أجدك تفتحينها للمرة الثانية، وتنظرين لى كدت أجن ثلاثة مرات يا أمى يغلقونها وتفتحينها إلى أن ألبسوكى ثوبك الأبيض وحجبوا نظرتك لى، وأدركت قصدك من تلك الوصية كنتى تريدين أكون آخر أحد تنظرين إليه، كنتى تريدين أكون آخر أحد تودعينه بالنظرة الأخيرة نظرة الوداع التى لن أنساها طيلة عمرى، وبرحيلك يا أمى أصبح الربيع خريفًا؛ لأن حياتنا تجردت من جمال وجودك بها.
وتمر السنين وتتوالى الفصول، ويأتى الربيع وأنت تغيبين، وأكبر يا أمى وأدرك أنه لا ذنب للفصول، تلك أيام قدرت علينا ونحياها وفقا لما بداخلنا، فكنت أشبهك بالربيع لأن ما بداخلك جميلا، فبأيدينا نحن نجعل الدنيا ربيعا أو نجعلها خريفا.
عزة عثمان تكتب: أحزان فى الربيع والنظرة الأخيرة
الأربعاء، 19 مارس 2014 07:59 م
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
راويه عبد النعم
عبقريه مصريه
عدد الردود 0
بواسطة:
منة
الام