فى الذكرى الثالثة للثورة السورية توقع الكثيرين أن تأخد المعارضة السورية خطوات بديلة داخلية لتقليل وتيرة توحش النظام السورى مع المعارضين لكل الذكرى الثالثة حلت وأعلن عضو المكتب السياسى للإئتلاف الوطنى كمال اللبوانى مفاجأته التى رأها حلا سياسيا ناجزا للوصول بالوضع السورى إلى بر الأمان؛ المفاجأة التى طُرحت بشكل حل سياسى تتلخص فى "مقايضة إسرائيل بالجولان مقابل تخليصهم من نظام بشار الأسد" وهو الحل الذى صدم شريحة عريضة ليس فقط من أهل الجولان المهجرين الذين عاشوا على حلم تحرير الجولان والعودة بل صدمت كذلك البعض ممن أصبحوا أمام حدث إحتمالية بيع أول قطعة من الأراضى السورية بإرادة المعارضة السورية.
ولا يمكننا أن نغفل وجه النظر حبيسة المكاتب المغلقة والحوارات الجانبية ترضى ببيع الجولان مقابل وقف حقن الدماء والخلاص من نظام مستبد، أو بأقل تقدير البحث عن حل وسط يتمثل فى التنازل عن الجولان بمدة 99 عام مقابل تدخل اسرائيل للإطاحة بنظام الأسد.
من يقبل ببيع الجولان ومن لا يقبل ولماذا اللجوء إلى حل يؤكد فشل الائتلاف الوطنى السورى فى طرح مبادرات تحقن الدماء وتحفظ ماء الوجه دون التفريط فى شبر واحد من الأراضى السورية وهل لا تعنى المعارضة الممثلة فى الائتلاف الوطنى أن فتح الباب أمام اسرائيل للتدخل لاسقاط نظام الأسد قد لا يعنى التوقف عند هذه الخطوة بل تدخلا قد نشبهه بالاحتلال السياسى الإسرائيلى لسوريا.. وهل إسرائيل بالفعل بعيدة عن التدخل فى الشأن السورى منذ اليوم الأول للثورة السورية، اسئلة كثيرة نطرحها على مثقفين وسياسيين سوريين.
الشاعرة رشا عمران، رأت أنه من العار طرح هذه المتاجرات السياسية بصفتها حلا مناسبا، من العار وصم الثورة السورية العظيمة بأنها تخلت عن وجدانها وأصبحت عارية، أخلاقيا، كحال النظام تماما، من العار تلطيخ الثورة بمبادرات كهذه سواء أتت عن حسن نية أم عن خفايا سياسية مستعدة لبيع أى شيء فى سبيل هدف شخصى مريض أو هدف عام لم يقرأ أصحابه التاريخ جيدا ويظنون أن المقامرة بمصائر الشعوب ومستقبلها مجرد ألعاب وتحالفات سياسية ستحقق حتما الهدف المرجو منها.
واعتبرت "رشا" المبادرة مزيدا من التشوية المقصود الذى يحاول البعض إلحاقه بالثورة السورية مضيفة؛ يكفى الثورة السورية ما تعرضت له من تشويه خلال السنوات الثلاث الماضية، تكفيها نكباتها المتلاحقة بفعل تخلى الجميع عنها وتركها نهبة للمرتزقة والأفاقين للمتاجرة بها وبدماء شهدائها.
وأضافت لا تحتاج الثورة السورية والمنتمين لها للوصم بالخيانة أيضا، وهذا الترويج لمفاوضات مع اسرائيل ليس مجرد وجهة نظر فردية،إذ طالما مطلقوها يدعون تمثيل شريحة كبيرة من سوريى الثورة فهى ستنعكس على تاريخ الثورة كلها،فالتاريخ لا ينسى حدثا كهذا،لو حصل، فلا الحدث عابر ولا الزمن الذى سيحدث فيه زمنا عاديا فى حياة السوريين ووجدانهم.
ومن جهته قال أحد الشعراء السوريين -الذى رفض ذكر اسمه- هناك عضو تنسيق فى المعارضة، بالداخل، قام بسب "اللبواني" على تصريحاته، والبارحة يبارك لحزب الله على احتلال يبرود، هذه ليست معارضة، هؤلاء رباهم النظام لتخريب أى معارضة له، لم تقم الثورة السورية من أجل الجولان. لنكن واضحين، هذه المعارضة كان لنا عليها مآخذ كثيرة من البداية، قصة طويلة من أيام النظرية الأمنية لحافظ الأسد وتشويه المجتمع السورى والمواطن السورى والشعب السورى لم تكن سوريا الأسد ضد اسرائيل فى يوم من الأيام، لنقل مثلا بعد اتفاقية فك الاشتباك فى عام 1974.
وأضاف فى تصريحاته لـ"اليوم السابع"، إسرائيل مرتاحة أكثر مع هذا النظام لأن المعارضة ليس من الواضح خططها الاستراتيجية والمستقبلية فالكثير من المعارضة هى تربية التشويهات التى زرعها النظام فى المجتمع السورى، المعارضة هى تربية النظام بمعنى آخر، مشكلة النظام أنها ظنت أن هذا النظام غبى وسيسقط بسرعة، برأيى اسرائيل لن تقبل بهذه المبادرة هى مرتاحة مع الأسد ونظامه المافيوى، قبل الجولان إسرائيل تريد أن تعرف من سيحكم سوريا بعد الأسد، كى تعرف مع من تجلس ومع من تتفاوض، وعندما انطلقت الثورة السورية وحتى بعد ثلاث سنوات منها لم تكن اسرائيل فى بالها.
وأشار المصدر، اللبوانى فعل ذلك كى يحبط المعارضة ويلصق بها عارا ينادى به النظام، فى أن يقولوا المعارض التى تدعمها قطر ستدعمها اسرائيل، لم يكن ينقصنا سوى وصف الخيانة ومن مَن هذه المرة؟ من شخص محسوب على المعارضة؟
وعند أداء الإئتلاف الوطنى المعارض خلال السنوات الماضية من عمر الثورة السورية وصف المصدر أداؤهم بالسئ والكارثى فى بعض الأحيان لعدة أسباب أهمها أن النظام مخترق هذه المعارضة ويقوم بتفشيل كل شئ فيها.
أما الكاتب والمترجم السورى ثائر الديب فقال فى تصريحاته لليوم السابع تأتى مبادرة كمال اللبوانى –إذا جاز أن نلصق كلمة بحجم كلمة "مبادرة" بشخصية تافهة بمثل تفاهة اللبواني- من فصلٍ أقامته معظم قوى الثورة السورية، ما عدا قلّة قليلة، بين المسألة الوطنية والمسألتين الديمقراطية والاجتماعية، وهو أمر بالغ الخطورة والخطأ فى بلد مثل سورية، وعلاوة على الجهل ببنية البلد والنظام، هو أنّ ما يهمّ هذه القوى ليس بما خرج الشعب ينادى به من حرية وكرامة ودولة قانون ومؤسسات بقدر ما يهمها تغيير تحالفات سورية ونقلها من كتلة فيها روسيا والصين وإيران... إلى كتلة فيها أميركا والسعودية وإسرائيل. ولذلك كانت هذه القوى، ومنذ البداية تقريباً، وراء دعوة الخارج (الأميركى، الأوروبى، التركى، الإسرائيلي..) إلى التدخّل المباشر والحظر الجوى وسوى ذلك.
وأضاف الديب مبادرة اللبوانى ليست سوى مسمار آخر فى نعش الثورة السورية التى سرقتها قيادات مأجورة بفضل ما توفّر لها من دعم وتمويل خارجيين حرفاها عن مسارها المفترض وأبعداها عن قطف الثمار التى سالت من أجلها دماء الشهداء.
وأشار الديب لا خفى أنّ ثمّة نهجاً منتظماً لدى كثير من المعارضة السورية (خاصةً المجلس الوطنى والائتلاف) يهدر المسألة الوطنية (على مذبح الديمقراطية، كما يدّعي)، مقلّداً بذلك النظام الذى يهدر الديمقراطية والحريات والعدل (على مذبح الوطن، كما يدّعي). هكذا يلتقى النظام وهذه المعارضة، التى ما كنّا لنواصل السماع بها لولا الدعم والحقن الخارجية، على تضييع كلّ من الوطن والحريات.
واعتبر الديب الوطنية فى بلدان مثل بلداننا هى جُهْدٌ يرمى إلى إقامة بنية اقتصادية–اجتماعية مستقلة ومتمحورة حول ذاتها وحول مصالح شعبها بعيداً عن أى ارتهان أو تبعيّة. ومحاربة العدوّ المحتلّ، على أهميتها العظيمة وضرورتها التى لا بدّ منها،هى جزء من هذا الكلّ.
وأوضح أنّ مثل هذا التعريف للوطنية لا يفصل بين ما يُحَقَّق من تنمية وتقدم اجتماعى وحريات تضمن مشاركة أوسع قطاعات الشعب وبين مقاومة الاحتلال والمشاريع الخارجية وممانعتها. وبذلك تكون الوطنية وجه العملة الآخر للديمقراطية والحريات والحفاظ على الثروة الوطنية وتنميتها. وليست قطباً يواجه كلّ ذلك، أو يمكن فصله عنه فى ترتيب زائف لهذه الأولويات.
وأضاف أنه كما ينبغى أن نشكّ فى "وطنيّة" من يمارسون النهب والقمع، كذلك ينبغى أن نشكّ فى "ديمقراطية" من يستقوون بالإمبريالية الأميركية، وإسرائيل. ومن هنا خطورة مبادرات كمبادرة اللبوانى، مهما تكن تفاهة أصحابها الشخصية ووضاعتهم.
ومن جهته اكتفى الروائى السورى خليل صويلح بالرد: "مؤسف يبدو أن سوريا كلها للبيع وأنا لست مقاولا لأشارك فى الحديث فى هكذا صفقات".