تقوم الثورات فى الدول دائما لتغيير الوضع القائم من الأسوأ إلى الأفضل، وهناك الكثير من الشواهد التاريخية فى العديد من بلدان العالم - سواء التى تشبهنا أو التى لا تمت لنا بصلة - تعتمد هذه الحقيقة وتقرّها.. وتؤكد على أن الثورات تقوم فى البلاد لتحسين أوضاع المجتمع، وليشعر المواطن الذى شارك فى الثورة بالتغيير «الإيجابى» بعد قيامه بالخروج على الحاكم والمخاطرة بحياته من أجل حياة أفضل.
فى مصر.. الأمر مختلف.. «نحن نختلف عن الآخرين».. نختلف عن الآخرين فى أبسط الأمور منطقية.. نختلف عن الآخرين فى النتيجة الطبيعية والبديهية التى وصلت إليها كل الشعوب الثائرة بعد الثورة وهى تحسّن الأوضاع المعيشية للمواطن.. نحن البلد الوحيد الذى ازدادت فيه الأوضاع سوءًا بعد ثورته.. نحن الشعب الوحيد الذى ثار على الجوع ليجوع أكثر.. وثار على الفقر ليعيش فى ضنك وشظف.
أذكر قبل ثورة يناير أننى كنتُ غاضبا وناقما على العديد من الأشياء التى أصبحت الآن نوعا من الرفاهية غير المتوفرة لنا.. قبل الثورة كانت إجراءات تسجيل طفلك فى مكتب الصحة مجانية بالكامل لكنها معقدة، الآن مازال التعقيد كما هو وأصبح عليك شراء كراسة التطعيمات.. قبل الثورة كانت العشوائيات تعج بالبلطجية، الآن مازالت العشوائيات كما هى على حين خرجت البلطجة من مخبئها فى العشوائيات لتشاهدها فى كل شوارع مصر، كل العيوب التى قامت من أجلها الثورة مازالت موجودة بتفاصيلها وازداد عليها فصيل جديد من العيوب لم نكن نراه أو نشعر بوجوده مما جعل بعض الناس وبعض كبار المفكرين يذهبون إلى فكرة «المؤامرة»، ولكن هل كانت الثورة فعلا مؤامرة؟ وهل كان الربيع العربى - فى كل البلدان العربية - مجرد مؤامرة؟ وهل تآمر «البو عزيزى» ضد تونس، وتآمر «خالد سعيد» ضد مصر، وتآمر كل المقهورين والمظلومين ضد بلدانهم وشعوبهم؟
من السذاجة أن يعتنق أى إنسان هذا الفكرَ المريض إلا إذا كان يجد فيه تبريرا لضعفه وسوء إدارته للبلاد، لقد وُلدت الثورة فى مصر من رحم الشعب وغذتها طموحاته وتطلعاته.. ولكن دعونا لا ننكر المؤثرات الأخرى التى أثّرت فى الثورة المصرية عقب نجاحها.. لقد أظهرت ثورة يناير 2011 كل ما فى الشعب المصرى من مميزات وكشفت عن معدنه الأصيل، قدراته الفائقة، ولكنها - للأسف - بعد أن نجحت فى خلع القيادة الفاسدة لم تلبث أن أظهرت الجانب الآخر من الشعب، هذا الجانب الآخر هو نتيجة سنوات طويلة من الجهل والفقر والتوجيه الفكرى والمتاجرة بهموم ومواجع الناس واستغلال فئات معينة من مثقفى المجتمع - سواء بالترهيب أو بالترغيب - لدب الفتن بين فئات المجتمع لإضعافه وسهولة السيطرة عليه من قبل الجهة الحاكمة. لقد احتاج المجتمع المصرى لثورة وقام بها بالفعل ولكنها - للأسف - لم تدُم لأكثر من ثمانية عشر يوما «هى فترة مكوثنا فى ميدان التحرير»، لتبدأ بعدها فترة من أسوأ فترات الحياة السياسية والمجتمعية فى مصر ولتظهر فى مصر ظواهر مجتمعية لم يرها المجتمع المصرى من قبل.. وأعتقد أننا - الآن - فى حاجة لثورة أخرى.. ثورة حقيقية ترفض الفساد وترفض المحسوبية والعنصرية.. ثورة تقوم على فكرة جلب المنافع وليس فقط درء المفاسد.. ثورة تتعامل مع الآخر بشكل أكثر رقيا وأكثر احتواء.. لا أبالغ إذا قلتُ إن الشعب المصرى قد علّم العالم فى ثورة يناير الكثير. ومازلتُ مصرا على أن الشعب المصرى لديه الكثير ليعلمه للعالم.. نحن فعلا نختلف عن الآخرين.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة