أصدر عدد من منظمات المجتمع المدنى والجمعيات والكيانات المعنية بالشأن البيئى فى مصر مثل جمعية الحفاظ على البيئة "هيبكا"، ومجموعة مصريون ضد الفحم، والمركز المصرى للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، وجمعية التنمية الصحية ،والبيئية (أهد)، وجمعية حماية لتنمية المجتمع بجنوب سيناء بيانا مشتركا؛ لتوضيح الأخطار التى ستلحق بالبيئة المصرية وصحة المواطن المصرى جراء استخدام الفحم كمصدر للطاقة بمصانع الأسمنت، والتى ستنعكس بالسلب على الاقتصاد المصرى، وعلى صحة المواطن، وعلى أجيال قادمة لعشرات السنين.
وأكد البيان، أنه فى الساعات الماضية خرجت تصريحات متضاربة من الوزارات المختلفة، فيما يخص قضية السماح باستيراد الفحم؛ لتوليد الطاقة لصناعة الأسمنت فى مصر، حيث صرح كل من وزير الصناعة والتجارة والاستثمار السيد منير فخرى عبد النور، والسفير هانى صلاح المتحدث باسم مجلس الوزراء بسماح مجلس الوزراء لمستثمرى الأسمنت باستيراد الفحم، ليضاف كأحد مصادر الطاقة فى مصانع الأسمنت، وفى نفس اليوم صدرت تصريحات من وزيرة الدولة لشئون البيئة، الدكتورة ليلى إسكندر، لتوضح بأن تصريحات مجلس الوزراء بشأن الاتجاه نحو "تطوير مزيج الطاقة" المستخدمة فى الصناعة تعنى التوجه نحو استخدام الطاقة البديلة مثل الطاقة المولدة من النفايات ومصادر الطاقة المتجددة، وحتى الآن لم يصدر من مجلس الوزراء أى بيان رسمى يوضح القرار النهائى فيما يخص استيراد الفحم لإنتاج الطاقة.
وقال البيان "قرار مصيرى مثل قرار استخدام الفحم من عدمه فى الصناعة، هو قرار يؤثر على بيئة مصر واقتصادها وصحة المصريين وسيادتهم على اقتصاد بلادهم، وبالتالى فمن اللازم أن يصدر بعد تقدير مدقق لأخطار تلك الخطوة، ويصعب تخيل أن تكون حكومة انتقالية هى الأجدر باتخاذ قرار مماثل سيؤثر على مستقبل مصر والمصريين لعقود طويلة قادمة، خاصة فى غياب أى جهة تشريعية منتخبة.
وكشف البيان عن أن مستثمرى الأسمنت يشنون حربًا إعلامية وسياسية قوية؛ للسماح باستخدام الفحم فى الصناعة، مستغلين فى ذلك أزمة الطاقة الحالية، بالإضافة إلى الأزمة الراهنة المصاحبة لرفع أسعار الأسمنت، وذلك لإجبار الحكومة والمواطنين على قبول المخاطرة الصحية والبيئية والسيادية على المدى الطويل مقابل خفض أسعار الأسمنت مؤقتاً من قبل صناع الأسمنت، ويتعاون مجلس الوزراء بشدة مع مستثمرى الأسمنت، بينما يرفض الاستماع لشكوك ودراسات الباحثين والمهتمين بشئون الصحة والبيئة والطاقة المستدامة حول قرار خطير مثل استيراد الفحم للإنتاج الصناعى، بل يهمل مجلس الوزراء متعمدًا الاستماع لأول من سيتعرضون للأذى بسبب استيراد الفحم فى مصر، المجتمعات السكنية والسياحية المحيطة بمصانع الأسمنت والذين سيكونون أول من يدفع ثمن أرباح مصانع الأسمنت المتزايدة من صحتهم وحياتهم، وما يترتب على المرض من فقر مما يدفع بسكان منطقة مثل وادى القمر بالإسكندرية، المجاورة لمصنع تيتان للأسمنت، المتضررين منذ عقود، وحتى من قبل استخدام الفحم، للتلويح بالاعتصام أمام الشركة لفشل الدولة فى حمايتهم من المرض والتلوث، وفى الوقت الذى استوردت شركة لافارج الفرنسية للأسمنت الفحم لمصنعها فى مصر فى نوفمبر 2013 بالمخالفة للقوانين وما ترتب عليه من مخالفات من وزارة الدولة للبيئة ضدها.
وأشار بيان منظمات المجتمع المدنى المعنية بالشأن البيئى أن الدولة التى فشلت فى تنفيذ أى من العقوبات المفروضة بسبب تلك المخالفات، تستضيف شركة لافارج فى اجتماعات مجلس الوزراء فى أثناء اتخاذ قرار استيراد الفحم من عدمه دون أن تستضيف أيًا من الخبراء المعارضين لاستيراد الفحم.
وأوضح البيان أن ما يحدث هو أن مستثمرى الأسمنت يبتزون الشعب والحكومة الحالية برفع أسعار الأسمنت، والحكومة تضحى بصحة المصريين ومستقبل مصر البيئى والاقتصادى؛ لتحقيق أرباح أعلى للمستثمرين، مؤكدا أن ممارسات صناعة الأسمنت الاحتكارية بالتلاعب بأسعار الأسمنت بالسوق لابتزاز الدولة للموافقة على مطالبها من الفجاجة، حتى أن جهاز حماية المستهلك قد قام فى التاسع من مارس 2014 بتقديم بلاغات ضد الصناعة أمام جهاز منع الاحتكار، واتهمهم بالتلاعب بأسعار الأسمنت.
وأوضح أيضا البيان أنه قد صرح رئيس جهاز حماية المستهلك عاطف يعقوب بأن تلك لم تكن السابقة الأولى لصناعة الأسمنت فى التلاعب بالأسعار "بل قامت بنفس الخطوة العام الماضى، لجأنا إلى جهاز حماية المنافسة، وقامت الشركات بضبط السوق على الفور، وأن ما تقوم به شركات الأسمنت حاليا ليس إلا لذراع الحكومة المصرية من أجل الموافقة على استخدام الفحم كطاقة بديلة فى مصانعها بدلا من الغاز الطبيعى، وهذا أمر غير مقبول"، وأضاف أنه "يجب وضع حد لهذه الممارسات من قبل شركات الأسمنت، لا سيما أنها تحصل على مزايا كثيرة من الدولة، من بينها الطاقة المدعومة التى مازالت تحصل عليها حتى الآن".
وتتعجب منظمات المجتمع المدن فى بيانها فيما يحدث بمصر، حيث يؤكد البيان أنه فى الوقت الذى تخطط فيه حكومات العالم خططاً طويلة ومتوسطة المدى للابتعاد عن الفحم كمصدر للطاقة لإدراكها لأخطاره الصحية والبيئية الجسيمة، على الرغم من أنه أرخص مصادر الطاقة فى بلاد كثيرة، لأنه يوجد على أراضيهم بكثرة ولا يحتاجون لاستيراده، تتوجه مصر لاستيراد الفحم الذى لا يتوافر على أراضيها مما يجعلها معتمدة على الاستيراد، ولن نجنى منه إلا الأضرار بينما تحقق الشركات أرباحا طائلة ندفع نحن ثمنها فى الوقت الذى نهمل فيه وسائل طاقة متجددة وصديقة للصحة والبيئة متوافرة على أراضينا، علمًا بأن 85% من الفحم المستخدَم فى العالم يستخدم فى بلاد استخراجه.
وأشار أيضا البيان أنه فى الشمال الأكثر تقدمًا صناعيًا، تتحرك دول مثل ألمانيا وهولندا للابتعاد عن الفحم، الذى كان مصدرهم التاريخى للطاقة، وتتحول لاستخدام الطاقة الشمسية والطاقة المولدة من النفايات، ففى صناعة الأسمنت الألمانية، 61% من الطاقة المستخدمة فى صناعة الأسمنت مولدة من النفايات، وفى هولندا، عام 2009 كانت 98% من الطاقة المستخدمة فى صناعة الأسمنت مولدة من النفايات، وفى بلاد من الجنوب، مماثلة لنا فى التقدم التكنولوجى، تخطط دول مثل المغرب وكينيا تخطيطًا إستراتيجيا يحمى صحة مواطنيها وسيادتهم على الطاقة فى بلادهم، ويضمن اقتصادًا أكثر استقلالية لا يعتمد على الفحم والاستيراد، ففى كينيا تخطط الدولة للوصول لأن تعتمد 50% من طاقتها على الطاقة الشمسية بحلول عام 2016، وتخطط المغرب لأن تولد 42% من طاقتها من مصادر متجددة بحلول عام 2020.
ويشير البيان إلى أن هذا الأمر يثير تساؤلات ليس فقط عن قدرة الدولة على التخطيط بشكل إستراتيجى فى لحظات الأزمات لضمان مستقبل أفضل، ولكن أيضًا يثير تساؤلات عن انحياز الدولة التى من المفروض أن يكون دورها هو حماية صحة المصريين والعمل على استقلالية الاقتصاد فى مصر، فوزير الصناعة والتجارة والاستثمار منير فخرى عبد النور كمثال، يبدو كأنه وزير لرجال الأعمال والمستثمرين الأجانب منهم خاصة –80% من مصانع الأسمنت فى مصر مملوكة لشركات أجنبية – بدلًا من كونه وزيرًا يخدم مصالح المصريين الاقتصادية الآن وفى العقود القادمة.
ويوضح البيان أن الحكومات التى لديها الرغبة فى خلق اقتصاد لها سيادة عليه تستخدم لحظات الأزمات للوصول لحلول أكثر تقدمية واستدامة واستقلالية، بدلًا من أن تختار اختيارات يبتعد أغلب بلاد العالم عنها لأضرارها الصحية والبيئية.
وكشف أيضا البيان أن مستثمرى الأسمنت، وحلفاءهم فى الدولة يوحون لنا أن استخدام الفحم هو الحل الوحيد للخروج من الأزمة الحالية، فى حين أن هناك الكثير من الحلول التى تتيح حل الأزمة الحالية، مع ضمان إعطاء الأولوية لمصالح المواطنين والسيادة الاقتصادية علمًا بأن الأزمة الحالية يتمثل معظمها فى اضطرار مصانع الأسمنت لخفض هامش ربحها الرهيب- حيث يبلغ هامش ربح تلك الشركات فى مصر، التى تبيع الأسمنت بالسعر العالمى، نحو 40% مقارنة بـ15 إلى 20% متوسط هامش الربح العالمى، فبالإضافة لرخص الموارد فى مصر من عمالة ومواد ونقل، وللميزات والتسهيلات الاستثمارية، فإن مصانع الأسمنت فى مصر تستخدم ضعف كميات الطاقة لإنتاج نفس الكمية من الأسمنت مقارنةً بمصانع الأسمنت فى شركات تستخدم نفس التكنولوجيا فى بلد مثل اليونان، وبمجرد رفع الكفاءة وعدم إهدار الطاقة -المدعومة من الدولة!- تستطيع شركات الأسمنت حل أغلب أزمة طاقتها الحالية، وبالإضافة إلى ذلك تستطيع تلك الشركات الاتجاه لإضافة الطاقة المولدة من النفايات -المتوفرة بكثرة فى مصر- لمزيج الطاقة فى مصانعها، وذلك لن يضمن فقط مصلحة المصريين الصحية واستقلالية الاقتصاد المصرى، ولكن سيتيح أيضا فرص عمل جديدة فى مصانع تحويل النفايات، وسيحمل الدولة تكاليف أقل لإنشاء تلك المصانع بالمقارنة بما ستتحمله لو تم استيراد الفحم، وتحملت الدولة تكاليف تطوير البنية التحتية للموانئ والطرق أو السكك الحديدية الصناعية اللازمة لنقل الفحم على الطرق البرية أو النهرية، ناهيك عن أبعاد الاستدامة وأمن الطاقة.
ويستنتج البيان المشترك من خلال ما يحث فى هذه القضية المهمة أنه من الواضح أن قرار السماح باستيراد واستخدام الفحم وإهمال كل الإجراءات الأخرى التى من الممكن أن تحل الأزمة، سيكون حينها قرار سياسى ينحاز لتحقيق أعلى ربحية لتلك الشركات، فيما يهمل صحة المصريين وبيئتهم وسيادة مصر على مصادر طاقتها.
وطالبت منظمات المجتمع المدنى المعنية بالشأن البيئى فى بيانها مجلس الوزراء أن يتحمل مسئوليته فى حماية صحة المصريين وسيادتهم على مستقبل الطاقة فى بلدهم، والتخطيط الاستراتيجى لضمان خطة للطاقة المستدامة اقتصاديًا وبيئيًا، بدلًا من الخضوع لابتزاز مستثمرى الأسمنت، وقيام بعض أعضاء المجلس بدور الذراع السياسية لتلك الصناعة، والذى يعمل على تحقيق أعلى ربحية للمستثمر الأجنبى على حساب صحة المصريين ومستقبل البلاد الاقتصادى والبيئى.
بالصور.. المنظمات البيئية فى مصر تعلن الاستنفار: شركات الأسمنت تضغط على الحكومة المصرية والضحية صحة المصريين.. وتصف تصريحات الوزراء بالمتضاربة.. وتطالب مجلس الوزراء بتحمل مسئوليته فى حماية البسطاء
السبت، 15 مارس 2014 01:42 م
جانب من التلوث
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة