من أكبر مشكلات القطاع الصحى فى مصر ضعف القدرة التنافسية وقلة الطلب على المستشفيات الحكومية فى مقابل المتشفيات الخاصة والجامعية والأهلية .. حتى إن الصورة الذهنية لدى المواطن تجاه المستشفى الحكومى، الذى يصفها بالمجانية، دائمًا سلبية تتحدث عن الإهمال وضعف الإمكانات ونقص فى التخصصات وسوء المعاملة, وقد ساهم الإعلام فى تضخيم هذه الصورة باختزاله القضية الصحية فى مصر فى صورة " الفوطة المنسية فى بطن المريض" .
وبالرغم من قيام وزارة الصحة والسكان بإنشاء مجموعة من المستشفيات ذات الجودة العالية فى كل التخصصات تحت مسمى أمانة المراكز الطبية المتخصصة، ومنها على سبيل المثال مستشفى شرم الشيخ الدولى ومعهد ناصر ومستشفى دار الشفاء الحاصلة على شهادة الجودة والاعتماد، وفقًا للمعايير الدولية فى 2010 وتم تجديدها فى 2013 إلا أن هذه المستشفيات لم تتعمق فى ذهن المواطن بالشكل الذى يجعله يلتفت إليها كبديل للمسارات الطبية الأخرى التي يثق بها, كذلك لم تدخل تلك المراكز بقوة فى المنافسة مع المستشفيات الخاصة للحصول على تعاقد بعض الشركات والمؤسسات الحكومية كمظلة للتأمين الصحي بتلك المؤسسات والشركات.
هناك أسباب عديدة لضعف وليس تراجع الخدمة بالمستشفيات الحكومية, فهى فى الأصل خلقت ضعيفة, لكن أهم سبب لتلك الكارثة هو الفلسفة التى قام عليها المشروع وهى تأدية الخدمة بالمجان, وكانت النتيجة النهائية حصول المواطن على خدمة وهمية وتحول هذه المستشفيات إلى خرابات لا تصلح للاستخدام الآدمى كما قال الدكتور حسام عيسى، وزير التعليم العالى السابق.
الخدمة الحقيقية يجب أن تتفق مع طبيعة المجتمع وكثافته السكانية وحجم المرض والتكلفة المرتفعة للعلاج ومتطلبات مقدمى الخدمة الصحية؛ وبالتالى فإن دولة مثل مصر يجب أن تكون الخدمة بها تشاركية تتحمل الدولة فيها القسم الأكبر ويتحمل المواطن جزءًا يتناسب مع دخله, وتكون الخدمة المجانية موجودة لمستحقيها وحالات الطوارئ فقط, فمن العبث أن يدفع المواطن 200 أو 100 جنيه للكشف بالعيادات الخاصة, ويدفع جنيهًا واحدًا أو حتى 5 جنيهات بمستشفيات الدولة, والنتيجة النهائية أنه دفع أجرًا وهميًا وحصل على خدمة وهمية ومعاملة سيئة، وأصبح عرضة لمافيا العلاج الخاص والجشع الطبى, ويجد فى النهاية سياسيين وإعلاميين يتاجرون بأحلام البسطاء يقولون: لا مساس بالعلاج المجانى، فهذه كلمة حق يراد بها باطل وهو دعم المنظومة الخاصة والقضاء على المنظومة الحكومية, فهم يعلمون أن العلاج بالمجان ليس موجودًا على أرض الواقع . فمن العبث أن نزايد على أمور وهمية , والأكثر عبثية أن يصدق المواطن تلك التراهات ويقول إنهم يريدون خصخصة المستشفيات.
ففلسفة العلاج بالمستشفيات يجب أن تكون قائمة على حصول المواطن على خدمة حقيقية تتحمل الدولة الجزء الأكبر من تكلفتها ويتحمل هو الجزء اليسير بما لا يشكل عبئًا إضافيًا بالنسبة لدخله وبما يحميه من الاستغلال أو عدم الحصول على الخدمة، نظرًا لعدم وجود المال وهروب الخدمة من المستشفيات الحكومية, فليس معنى أن المواطن له الحق فى الرعاية الصحية ألا يتحمل جزءًا من نفقات هذا الحق.
إن بناء الأوطان أمانة جماعية تتحملها الدولة والمجتمع وخروج أحدهما عن دوره الحقيقى، يجعل بناء الوطن مختلا وهذا هو خطأ الماضى وعلينا تجنبه فى المستقبل .
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة