عطر الأحباب.. شكرى سرحان.. جوهرة السينما المصرية فى القرن العشرين..اختاره النقاد بوصفه أفضل ممثل فى تاريخ السينما

الجمعة، 14 مارس 2014 11:09 ص
عطر الأحباب.. شكرى سرحان.. جوهرة السينما المصرية فى القرن العشرين..اختاره النقاد بوصفه أفضل ممثل فى تاريخ السينما شكرى سرحان فى شباب امراة
إشراف - ناصر عراق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى :
الحديث عن شكرى سرحان له طعم العيش البلدى الطازج والجبنة الفلاحى الشهية، والكلام عن «إمام» فى شباب امرأة تفوح منه رائحة الحقول الممتدة والبراءة الريفية، أما تأمل تعبيراته المذهلة فى «الزوجة الثانية» فيزرع فى صدورنا زهور الافتتان بواحد من أهم ممثلينا الكبار.

البداية الباهتة

فى 13 مارس عام 1925 ولد شكرى سرحان، وفى 19 مارس 1997 غاب عن عالمنا، وبين التاريخين صال وجال على الشاشة البيضاء متقمصًا أكثر من شخصية، راصدًا أدق الانفعالات، كاشفا عن براعة عجيبة فى اقتناص الملامح النفسية والجسدية التى يتصدى للتعبير عن أصحابها.



المثير أن أدواره الأولى فى السينما لم تكن ذات شأن، فقد ظهر لبعض دقائق معدودات، وأحيانا لثوان فى أفلام «اوعى المحفظة/ نادية 1949/ أولاد الشوارع 1951»، حيث يتفوه بجملة أو جملتين بشكل نمطى ثم يختفى، وإن كان قد فاز بدور كبير وملحوظ فى فيلم «لهاليبو الذى عرض فى 26 سبتمبر 1949 للمخرج حسين فوزى»، لكنه كان يبدو متأنقا.. ابن ذوات.. وسيم، وهكذا تحرمه الشخصية النمطية التى يجسدها من إبراز مهاراته فى فنون التمثيل التى تلقاها على يد زكى طليمات كبيرهم الذى علمهم فنون الأداء حين أسس وأشرف على معهد التمثيل فى منتصف أربعينيات القرن الماضى.

ابن النيل

فى الأول من أكتوبر عام 1951 انفتحت أبواب المجد أمام شكرى سرحان، إذ شاهده الجمهور للمرة الأولى فى دور فلاح فى الفيلم الجميل «ابن النيل»، لقد انتشله يوسف شاهين من القصور الفخمة وألقى به فى الطين والوحل، بعد أن عرف كيف يوظف هذا الفتى ذا السابعة والعشرين عامًا فى دور سيخلده إلى الأبد، ويبدو أن نجمنا الوسيم قد استثمر نشأته الريفية ودراسته الأكاديمية فى اقتناص الحالة النفسية للفلاح الساخط الناقم.. كاره الريف والحقل.. الحالم بالمدينة وأضوائها وصخبها.

فى هذا الفيلم الاستثنائى الذى اقتبس قصته يوسف شاهين وفتوح نشاطى «المخرج المسرحى والممثل الملهم صاحب دور عمو عزيز فى فيلم شارع الحب لعبدالحليم».. اقتبسا قصته عن مسرحية جرانت مارشال «ريفربوى».. أقول.. فى هذا الفيلم نرى الممثل الحقيقى داخل شكرى سرحان «حميدة».. فى طريقة كلامه الخشنة.. فى نظراته الغاضبة.. فى التذمر من كل شىء الذى يلوح حتى فى مشيته، فى جلبابه المهترئ وخصلة شعره المنسدلة على جبينه.. إنه يكره قريته القابعة فى أركان الصعيد، ويحلم بالقاهرة وبقطارها الذى يزور البلدة فيهرع ليتأمل هذا الصندوق الحديد الضخم الذى يمكنه أن يقذف به فى جنة يسمع عنها ولا يراها.



أنت تعرف بقية الفيلم وكيف تعامل حميدة مع مجتمع القاهرة وأجوائه وعصاباته، لكنه ظل محتفظا بالنبض الريفى فى كل حركة أو لمسة من أدائه حتى عاد أخيرًا إلى موطنه.

شباب امرأة

بالنسبة لى ستظل الشخصيات الريفية التى تقمصها شكرى سرحان هى أفضل ما قدم على الإطلاق، وها هو بعد أن نضجت خبراته وتطورت إمكاناته وامتلك أدواته يعرض علينا أحد أعماله السينمائية المبهرة، وهو دور «إمام» فى فيلم «شباب امرأة» الذى عرض فى 6 يناير 1956 للمخرج صلاح أبوسيف.

كتب القصة أمين يوسف غراب، أما السيناريو فمن نصيبه بالاشتراك مع صلاح أبوسيف، والحوار للسيد بدير، فى هذا الفيلم الجميل نلمح اللكنة الريفية للشاب المتعلم، ونظرته الخجولة للمرأة الجريئة وامتعاضه من وقاحتها، ثم تتجلى حرفية شكرى سرحان عندما افترش الأرض وشرع يقرأ بصوت عال «ألفية ابن مالك» مع تمايل جسده بحركة آلية مع الإيقاع الموسيقى للألفية، أما مشهد إغوائه التى برعت فى أدائه تحية كاريوكا، فقد أثبت فيه نجمنا أنه فنان من طراز خاص، حيث النظرات الزائغة تتعارض مع الجسد الفوار بالرغبة، مع الروح المترعة بالتدين.. كل هذا فاح أريجه الطيب على الشاشة فى ثوان معدودات هزت الوجدان وأقنعت المشاهد بأنه أمام «إمام» ريفى قح!.

الزوجة الثانية

يقول الناقد الكبير كمال رمزى فى كتابه «نجوم السينما العربية» عن فيلم «الزوجة الثانية» للمخرج صلاح أبوسيف/ عرض فى 14 أكتوبر 1967، يقول: «ثمة مشهد فى فيلم الزوجة الثانية لا يعد من أجمل مشاهد الفيلم، ولكنه بفضل تكامل عناصره الفنية يعد من أقوى المشاهد التى طالعتنا على شاشة السينما العربية.. فى هذا المشهد الذى يدور فى حجرة ضيقة خانقة.. شحيحة الضوء، يجلس شكرى سرحان متهالكا على الأرض، ويقف العمدة صلاح منصور مسيطرا وحوله حاشية من رجال بلا قلوب، يشجعون ويهددون، يعدون ويتوعدون الفلاح المغلوب على أمره، المحاصر، لكى يلقى بقسم الطلاق، ويفتح شكرى سرحان فمه، لكن الكلام لا يريد أن يخرج، وعندما يبدأ فى إشهار الطلاق يتهدج صوته وتتوه نظراته وتتوقف الحروف فى حلقه فلا يستطيع أن يكمل، وينتبه إلى ذاته التى غرق بداخلها عندما يثور العمدة ضده، ويعاودون المحاولة من جديد».



يكفى شكرى سرحان فخرًا أداؤه لهذا المشهد المتفرد كى يفوز بلقب أفضل ممثل فى تاريخ السينما المصرية فى الاستفتاء الذى نظمه نقاد السينما عام 1996، حيث قام ببطولة 15 فيلمًا ضمن أفضل مائة فيلم مصرى فى القرن العشرين.

إن شكرى سرحان نجم مختلف، تألق وحقق نجاحاته الباهرة بالتوافق مع استقرار ثورة يوليو 1952 وصعودها، ومن عجب أن حضوره تراجع كثيرًا فى زمن مبارك، ولا أدرى هل هذا التراجع يعود إلى أن الأيام نهبت من وسامة النجم وقذفت به إلى قبيلة العواجيز، أم أن عصر الرئيس الأسبق كان يخاصم الفن ويعادى الموهوبين؟


موضوعات متعلقة..


الخيوط الملونة بدلاً من الفرشاة فى صالون النسيج اليدوى

حسين السيد أشهر مؤلف أغانٍ فى مصر..كتب «ماما زمنها جاية» و«ست الحبايب» وفوازير ثلاثى أضواء المسرح

عباس العقاد.. أجرأ المبدعين وأغزرهم إنتاجاً






مشاركة






الرجوع الى أعلى الصفحة