مشاعر من الغضب تثيرها الموجة "الهوليوودية"، الجديدة من الأفلام السينمائية، التى تجسد حياة الأنبياء، والتى يأتى فى مقدمتها فيلم "نوح – Noah" الذى يقوم ببطولته الممثل " Russell crowe" فى شخصية النبى الرسول "نوح" عليه السلام، ليعيد هذا الفيلم من جديد حالة من الجدل والرفض تشبه تلك التى ثارت عند عرض فيلم "آلام المسيح - The passion of the Christ " فى عام 2004م ويجدد الأزهر الشريف فتواه بحرمة ما تقوم به بعض شركات الإنتاج حول العالم من إخراج بعض الأفلام أو المسلسلات التى يجسد فيها شخصيات الأنبياء، فى أى فترة زمنية من عمرهم المبارك.
كما أكد على ذلك المجمع الفقهى الإسلامى برابطة العالم الإسلامى فى دورته العشرين المنعقدة بمكة المكرمة ديسمبر 2010م .
وقد أعلى الإسلام قدر الأنبياء والرسول على غيرهم من العالمين، وحضناً على صونهم عصمة لهم، قال تعالى ( وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ)، الأنعام 82 : 86، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو خير الأنبياء وأفضلهم، كما قال عن نفسه "أنا سيد ولد آدم ولا فخر، وأول من ينشق عنه القبر، وأول شافع، وأول مشفع" رواه مسلم.
ولا مبرر لمن يدعى أن فى تلك المسلسلات التمثيلية والأفلام السينمائية التعرف عليهم وعلى سيرتهم، لأن كتاب الله قد كفى وشفى فى ذلك قال تعالى ( نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْك أَحْسَن الْقَصَص بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْك هَذَا الْقُرْآن وَإِنْ كُنْت مِنْ قَبْله لَمِنَ الْغَافِلِينَ) يوسف 3، كما قال تعالى ( لَقَدْ كَانَ فِى قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُوْلِى الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِى بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَىءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ) يوسف 111، وهذا التفضيل الإلهى للأنبياء الكرام - وفى مقدمتهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم- يقتضى توقيرهم واحترامهم، فمن ألحق بهم أى نوع من أنواع الأذى فقد باء بالخيبة والخسران فى الدنيا والآخرة، وتمثيل أنبياء الله يفتح أبواب التشكيك فى أحوالهم والكذب عليهم، إذ لا يمكن أن يطابق حال الممثلين حال الأنبياء فى أحوالهم وتصرفاتهم وما كانوا عليه - عليهم السلام - من سمت وهيئة وهدى، وقد يؤدى هؤلاء الممثلون أدواراً غير مناسبة - سابقاً أو لاحقاً- ينطبع فى ذهن المتلقى اتصاف ذلك النبى بصفات تلك الشخصيات التى مثلها ذلك الممثل، فعلى الأمة أن تقوم بواجبها الشرعى فى الذود عن الأنبياء والمحافظة على مكانتهم، والوقوف ضد من يتعرض لهم بشىء من الأذى، والذين يقومون بإعداد السيناريو فى تمثيل الأنبياء والرسل عليهم السلام ينقلون الغث والسمين، ويحرصون على نقل ما يساعدهم فى حبكة المسلسل أوالفيلم وإثارة المشاهد، وربما زادوا عليها أشياء يتخيلونها وأحداثاً يستنتجونها، والواقع بخلاف ذلك .
وما يقال من أن تمثيل الأنبياء عليهم السلام والصحابة الكرام فيه مصلحة للدعوة إلى الإسلام، وإظهار لمكارم الأخلاق، ومحاسن الآداب غير صحيح ولوفرض أن فيه مصلحة فإنها لا تعتبر أيضاً، لأنه يعارضها مفسدة أعظم منها، وهى ما سبق ذكره مما قد يكون ذريعة لانتقاص الأنبياء والصحابة والحط من قدرهم.
ومن القواعد المقررة فى الشريعة الإسلامية أن المصلحة المتوهمة لا تعتبر، ومن قواعدها أيضاً : أن المصلحة إذا عارضتها مفسدة مساوية لها لا تعتبر؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فكيف إذا كانت المفسدة أعظم من المصلحة وأرجح، كما هو الشأن فى تمثيل الأنبياء. ثم إن الدعوة إلى الإسلام وإظهار مكارم الأخلاق تكون بالوسائل المشروعة التى أثبتت نجاحها على مدار تاريخ الأمة الإسلامى، ووسائل الإعلام مدعوة إلى الإسهام فى نشر سير الأنبياء والرسل عليهم السلام والصحابة الكرام رضى الله عنهم دون تمثيل شخصياتهم، وهى مدعوة إلى امتثال التوجيهات الإلهية والنبوية فى القيام بالمسؤوليات المتضمنة توعية الجماهير، لكى تتمسك بدينها وتحترم سلفها، الصلاة والسلام عليك يا سيدى يا رسول الله، والسلام عليكم أنبياء الله ورسله.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة