نقلا عن اليومى :
إذا كانت الصين تتبنى سياسة الطفل الواحد للحد من تزايد عدد سكانها، فإن جارتها وحليفتها كوريا الشمالية تتبنى سياسة «الواحد» فى كل شىء لتعزيز السلطة الاستبدادية لحاكمها. فالكلمة فيها لشخص واحد، والحكم فيها لحزب واحد هو حزب العمال الشيوعى، مهما مرت السنين، والانتخابات فيها بمرشح واحد فى الرئاسة، بل ومرشح واحد فى كل دائرة انتخابية من دوائر الانتخابات البرلمانية.
وَلا يكف كيم جونج أون، رئيس كوريا الشمالية عن سرقة الأضواء العالمية التى تتعقبه منذ توليه الحكم خلفا لوالده فى عام 2011. فهذا الزعيم الشاب خاض انتخابات لم ينافسه فيها أحد، ولم يعارضه فيها أحد، ولم يرفضه فيها أحد، ليصبح هو الرئيس الوحيد فى العالم كله الذى يفوز فى انتخابات الرئاسة بنسبة %100، بما يعنى أن كل ناخب صوت لصالحه، وهو الأمر الذى علقت عليه مجلة «دير شبيجيل» الألمانية قائلة: إنه يمثل حالة ديكتاتورية استثنائية، فحتى الدول الأخرى ذات الأنظمة المستبدة يفوز حكامها بنسبة %98 أو %99.
ولو كان البعض يرى هذا عاديا فى دولة يحكمها مستبد لا يقبل بمنافسة، ولا يوجد بها سوى حزب واحد هو الحزب الحاكم، فإن المذهل أن الانتخابات البرلمانية التى تزامنت مع الرئاسية أيضا لم يكن بها سوى مرشح واحد عن كل دائرة، وسط إجمالى عدد دوائر يزيد على الستمائة، هو بالطبع مرشح الحزب الحاكم، يصوت الناخبون إما بالموافقة عليه أو برفضه.
ومع تذكير وسائل الإعلام الرسمية فى بيونج يانج للناخبين بضرورة الإدلاء بأصواتهم، فإن الاقتراع يستخدم فى إحصاء عدد السكان، حيث إن الموظفين المكلفين بتنظيم الانتخابات يزورون كل منزل للتأكد من وجود أو غياب الناخبين المسجلين خارج البلاد.
موقع نيو فوكس إنترناشونال الذى يشرف عليه كوريون شماليون لاجئون فى كوريا الجنوبية، قال: «إن الانتخابات يمكن أن تكشف فرار أى كورى شمالى إلى الصين أو كوريا الجنوبية»، لكنه أشار إلى أن أقرباء الأشخاص الغائبين يمكنهم دائما تدبر أمرهم بالقول: إن هؤلاء يعملون فى دوائر أخرى أو برشوة الموظفين الذين يقومون بزيارة البيوت وتسجيل الناخبين.
مجلة «تايم» الأمريكية وصفت تلك النتائج بأنها أمر أغرب من الخيال حتى ولو كانت لا تأتى بمفاجآت جديدة، لكن هذه الانتخابات تقدم لمحة عن الكيفية التى تدار بها كوريا الشمالية، أحد ألد أعداء الولايات المتحدة، ورغم ذلك لا تقدر على المساس بها بفضل قدراتها النووية وحليفتها الصين، وتقول تايم: إن التصويت الذى يجرى كل خمس سنوات يمثل ممارسة مهمة فى الدعاية السياسية، فالمنطقة الخاصة بالرئيس كيم جونج أون، والمعروفة باسم جبل بيكتو، تعد مكانا مقدسا فى البلاد، وهى المكان الذى يقال: إن جده كيم أيل سونج ومجموعة صغيرة من رفاقه صدوا اليابانيين، حيث ولد فيه نجله ووالد الرئيس الحالى.. وقد حصل كيم على حق الحكم بناء على صلته بسلالة بيكتو، وبأساطير الجبل نفسه.
وتعد كوريا الشمالية أكثر البلاد المنغلقة على نفسها فى العالم، التى لا يستطيع أحد أن يدرى بما يحدث داخلها، إلا من خلال الرواية الرسمية التى تقدمها الدولة، وفى ظل عدائها الشديد مع الغرب ومع جارتها الجنوبية، لم يكن من الممكن أن يقدم صحفيون أجانب أو حتى محليين لمحة مختلفة للمشهد داخل البلاد أثناء الانتخابات، حتى إن كبريات الصحف ووسائل الإعلام العالمية تناقلت جميعها تقريرا واحدا لوكالة الأنباء الفرنسية عن الانتخابات، اقتصر على بعض الحقائق فى تلك الدولة، إلى جانب الرواية الرسمية التى قالت: إن الشعب شارك وسط حالة من الرقص والفرح فى احتفالية الانتخابات.
وتجرى الانتخابات كل خمس سنوات فى 687 دائرة انتخابية فى كوريا الشمالية، وسار كيم جونج أون على خطى والده وترشح عن الدائرة رقم 111 فى جبل بيكتو. وتنظم هذه الانتخابات عن طريق خوض مرشح واحد للانتخابات فى كل دائرة انتخابية، أى أن خيارات الناخبين مقتصرة على التصويت بنعم أو لا للمرشح المتاح، ولكن المراقبين المتابعين لنظام الحكم الشيوعى يتابعون عادة تسمية المرشحين بحثا عن دلالات على حدوث تغيير فى الخارطة السياسية.
ونقلت وكالة «يونهاب» الكورية الجنوبية للانتخابات عن جانج يونج سيوك، الباحث البارز فى معهد السلام والوحدة بجامعة سيول الوطنية قوله: «إنه من المرجح إلى حد كبير أن تكون كوريا الشمالية قد أعادت تنظيم هيكل السلطة قبل الانتخابات».
ويعد المجلس الأعلى للشعب أعلى هيئة تشريعية فى كوريا الشمالية من الناحية الاسمية فقط، لكن من الناحية الفعلية، فإنه يجتمع فقط مرة أو مرتين سنويا ليصدق روتينيا على السياسات التى يضعها حزب العمال، وفى آخر دورة للمجلس التى انتهت فى إبريل 2013 أُقر مرسوم خاص يؤكد وضع كوريا الشمالية كقوة نووية.
الرئيس «واحد أحد» والفوز بـ%100.. ولا أصوات باطلة الانتخابات تجرى كل خمس سنوات.. وتكشف فرار أى كورى شمالى إلى الصين أو كوريا الجنوبية
الجمعة، 14 مارس 2014 10:54 ص