تيمز النجم الراحل محمد فوزى بأنه سبق عصره وأبهر الجميع بفنه وما زال يبهرهم حتى الآن، فهو واحد من أعظم مطربى وملحنى جيله، والذى سبق عصره بسنوات طويلة، وما زالت موسيقاه تعيش بيننا، ولا نفصلها مطلقا عن موسيقى العصر الحالى، ولم يستطع أحد أن يملأ مكانه، فهو ماركة مسجلة من الصعب تقليدها فهو مطرب وملحن وممثل ويقدم مواهب الثلاث بنفس الروعة رغم أنه كان يصف نفسه بالملحن وليس بالمطرب أو الممثل، رغم أن الجمهور كان وما زال يراه مثال للفنان الشامل، الذى يبدع فى كل ما يقدمه، إضافة إلى التلقائية التى كان يتمتع بها وتجعله ينفذ إلى قلب الجميع دون استئذان، إلا أن مشواره الفنى كان مليئا بالصعوبات والعراقيل ولم يكن سهلا على الإطلاق، فلم يستطع فوزى إكمال تعليمه بمعهد فؤاد الأول الموسيقى، وذلك لقلة النقود التى كانت ترسلها أسرته له من طنطا، حيث كانت لا تكفى أجرة سكنه فى القاهرة، الذى كان عبارة عن غرفة بها مرتبة على الأرض فقط، فدفعه الفقر إلى أن يتفق مع صاحب محل حلوانى مواجه للمنزل الذى يقيم فيه بأن يتناول الوجبات الثلاث يوميا لبن وكنافة فقط على أن يسدد ثمنها فى آخر الشهر.
وبعدها وجد فوزى عملا فى ملهى الشقيقتين رتيبة وإنصاف رشدى، ولكنه لم يستمر كثيرا، حيث استدعته الراقصة اللبنانية بديعة مصابنى للعمل فى فرقتها، بعد أن رشحه لها أساتذته فى المعهد ووقعت له عقدا بأجر 5 جنيهات فى الشهر، فكانت بداية انفراج أزمته المالية، حيث شعر أن المستقبل بدأ يبتسم له، إلا أن الحظ عاد ليدير ظهره له مجددا بعد أن علمت بديعة مصابنى بوجود علاقة حب بينه وبين إحدى راقصات الفرقة، وتدعى "لولا"، وكانت لوائح بديعة تمنع قيام أى علاقة حب بين فنانى وفنانات الفرقة، حتى لا يؤثر على سير العمل، مما جعلها تقوم بطرد لولا لتبعدها عن طريق المطرب الجديد، لكن فوزى ذهب إلى بديعة معاتبا إلا أنها قالت له إنه يجب أن يكون سعيدا لأنه لم يفصل هو الآخر، فتقدم فوزى باستقالته تضامنا مع حبيبته ومضحيا براتبه الكبير الذى حصل عليه بعد عذاب.
واتفق فوزى بعد ذلك مع حبيبته على تكوين فرقة استعراضية غنائية تطوف أنحاء الجمهورية لتقديم فنهما للناس، وبالفعل نجحت فرقته الجديدة، وكان فوزى تعرف خلال وجوده فى فرقة بديعة على الفنانين فريد الأطرش، ومحمد عبد المطلب، ومحمود الشريف، وارتبط بصداقة متينة معهم، واشترك معهم فى تلحين الاسكتشات والاستعراضات وغنائها فساعدته فيما بعد فى أعماله السينمائية، وتقدم فوزى وهو فى العشرين من عمره، إلى اختبار الإذاعة كمطرب وملحن أسوة بفريد الأطرش الذى سبقه إلى ذلك بعامين، فرسب مطربا ونجح ملحنا فقط.
وعرف محمد فوزى بالكرم فى الفن فلم يكن أنانيا فى يوم من الأيام وأكبر مثال على ذلك أنه ضحى بحلمه التلحين، لكوكب الشرق أم كلثوم للملحن الشاب، وقتها بليغ حمدى، حيث طلبت أم كلثوم من محمد فوزى أن يلحن لها وهو ما لم تفعله مع ملحن غيره، وكان فوزى بدأ بالفعل تلحين أغنية "أنساك" لمأمون الشناوى، وكان بليغ فى زيارة لفوزى وتركه يقرأ نوتة على مكتبه لانشغاله مع أحد أصدقائه، وقرأ بليغ الكلمات وسمع بداية اللحن فأعجب بليغ، وأخذ العود وبدأ يدندن وعندما عاد فوزى كان بليغ قد أكمل الأغنية فأعجب فوزى بما لحنه بليغ، وقبل أن يفكر بليغ فى من سيغنيها كان فوزى قد اتصل بأم كلثوم ليخبرها بالمفاجأة وهى أن بليغ لحنها وقال لها: "عندى ليكى حتة ملحن يجنن.. مصر ستغنى ألحانه أكتر من 60 سنة قدام، وأضاف "بليغ قام بتلحين الأغنية أفضل منى"، وتنازل لبليغ عن اللحن رغم أن التلحين لأم كلثوم كان إحدى أمنيات محمد فوزى، والذى رحل دون تحقيقها.
وتزوج فوزى من الفنانة مديحة يسرى والتى أحبها بشدة والتى قالت عن علاقتهما أن أول لقاء بينهما عندما شاركت فوزى بطولة فيلم "قبلة فى لبنان" وأحست ولمست فى فوزى نوعاً نادراً من الرجال فهو بسيط جدا وكريم جدا، ويعشق فنه بشدة وبسبب هذه الصفات التى لمستها فيه فى مواقف مختلفة كانت بداية التعارف بينهما فى مطلع الأربعينيات وعرض عليها الزواج ووافقت دون تردد وعاشت معه 8 سنوات كاملة قالت أنهما من أجمل سنوات عمرها، وأضافت أنه كان إنساناً من نوع نادر وهب كل حياته لفنه وجمهوره وكان شديد الالتصاق ببلده طنطا ولم تر فى حياتها إنساناً مرتبطا بمسقط رأسه والبلد التى ينتمى لها وكل أفراد أسرته هناك كما شاهدت هذا الرجل كان دائم الاتصال بأهله هناك يسأل عن الجميع بما فى ذلك الفلاحون والفقراء فقد كان شديد العطف على الجميع.
وعن سبب الانفصال قالت مديحة: "الطلاق تم بناء على رغبتى رغم حبى الشديد له وذلك بعد أن شعرت بجرح عميق فى كرامتى بعد أن دخلت حياته امرأة أخرى، وبعد إتمام الطلاق دون مواجهة قامت بالاتصال به، وقلت له لقد كنا قبل الزواج أصدقاء وأريد أن نظل أصدقاء وبيننا ابننا الجميل عمرو، والذى طلبت منه أن يظل عمرو يعيش معها ووافق وتنازلت له عن كل حقوقه المالية فى الأفلام التى اشتركنا فيها سوياً فأنا أعلم الأقساط المطلوب منه سدادها لمصنع الأسطوانات وهكذا ظللنا أصدقاء حتى آخر يوم فى عمره، ونحن فى منتهى الوفاق والسعادة والصداقة.
فى عام 1944م دخل فوزى عالم السينما لأول مرة من خلال دوره فى فيلم سيف الجلاد، وخلال ثلاث سنوات استطاع فوزى التربع على عرش السينما الغنائية والاستعراضية طيلة الأربعينيات والخمسينيات منها "فاطمة ومريكا وراشيل"، و"الأنسة ماما"، و"الزوجة السابعة"، و"بنات حواء"، و"ورد الغرام"، و"ليلى بنت الشاطئ"، و"كل دقة فى قلبى".
وأنشأ فوزى أول مصنع للأسطوانات فى الشرق أسماه مصر فون وأممته الدولة بعد ذلك وكان هذا المصنع نواة لشركة صوت القاهرة للصوتيات والمرئيات، إلا أن التأميم تسبب له فى صدمة كبيرة، ودخل بعدها فى صراع المرض الذى حير الأطباء والذى أصدر المستشفى الألمانى الذى كان يعالجه بيانًا قال فيه إنه لم يتوصل إلى معرفة مرضه الحقيقى، ولا كيفية علاجه وأنه خامس شخص على مستوى العالم يصيبه هذا المرض بعد أن وصل وزنه إلى 36 كيلو، وفارق فوزى الحياة فى 20 أكتوبر 1966 عن عمر 48 عاما فقط، لكنه ترك خلفه ثروة فنية كبيرة تقدر بـ400 أغنية، و36 فيلما غنائيا ما زالت تسعد جمهوره فى مصر والوطن العربى حتى الآن، كما لحن النشيد الوطنى للجزائر "قسما" الذى كتبه شاعر الثورة الجزائرية مفدى زكريا، ومازال يفخر به الجزائريون حتى الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة