المبادئ هى مجموعة الأفكار الأساسية التى يتبناها الفرد، لكى تكون منهج حياته، والمبادئ إما أن تكون ناشئة عن تعاليم الأديان المختلفة، ونجد أن المبادئ الناشئة عن وحى من السماء فهى صحيحة وصالحة لكل زمان ومكان، أو أن تكون نابعة من عبقرية الإنسان فيعتريه ما يعترى الإنسان من نقص، وهو دائما فى حاجة إلى التعديل والحذف، والإضافة، لأن فهم الإنسان المجرد عرضة للاختلاف والتناقض والتأثر بالبيئة التى يعيش فيها.
ولهذا السبب كانت حاجة الناس ماسة إلى وحى السماء، لمعرفة المبادئ التى يبنون عليها نظمهم المختلفة فى الحياة, ودليل ذلك أن ما يعانيه الإنسان من مشاكل واضطرابات يرجع إلى اختلاف المبادئ، والنظم فما يحقق مصلحة هذا يضر بذاك وما ينفع اليوم لا ينفع غدا، ولذلك تجد التعديلات لا تتوقف فى أنظمة البشر أفرادا وجماعات وأمما.
ويتلقى الأنسان هذه المبادئ منذ الصغر، عن طريق الأسرة التى تعتبر المعلم للأول، ثم المدرسة، ثم البيئة المحيطة بالفرد، ونجد أن المبادئ، تختلف باختلاف المجتمعات، فما تجده خطأ فى الشرق تجده صوابا فى الغرب، والعكس بالعكس، والمبادئ التى ينتهجها الإنسان كثيرة، وهى التى تعبر عن سلوكه تجاة أفراد المجتمع المحيط به، وهى التى تحدد اتجاهاته فى الحياة.
ومن هذه المبادئ التى لا يختلف عنها أى مجتمع باختلاف ثقافاته، هى مبدأ العدل، العدل الذى بحث عنه الإنسان منذ هبوط سيدنا آدم إلى الأرض وحتى اليوم، واأهم مقتضيات العدل بين البشر هى عدم الكيل بمكيالين، ولقد نبهنا إلى ذلك سيدنا رسول الله أَنّ قُرَيْشاً أَهَمّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيّةِ الّتِى سَرَقَتْ. فَقَالُوا: مَنْ يُكَلّمُ فِيهَا رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَقَالُوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلاّ أُسَامَةُ، حِبّ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم ؟ فَكَلّمَهُ أُسَامَةُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "أَتَشْفَعُ فِى حَدّ مِنْ حُدُودِ اللّهِ؟". ثُمّ قَامَ فَاخْتَطَبَ فَقَالَ: "أَيّهَا النّاسُ إنّمَا أَهْلَكَ الّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمُ الشّرِيفُ، تَرَكُوهُ، وَإذَا سَرَقَ فِيهِمُ الضّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدّ، وَأيْمُ اللّهِ لَو أَنّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا".
ونجد الرسول الكريم قد نبهنا إلى خطورة الكيل بمكيالين، بل إنه حذر منه لأن فيه هلاكا للمجتمع، وضرب لنا مثلا على قمة العدل فى أن ابنته لو سرقت وهى أحب بناته إلى قلبه لقطع يدها، فأمام العدل لا توجد قدسية لا أحد ولا يجوز شفاعة لأحد، لذلك تجد أن التمثال الذى يصور العدالة تمسك بالميزان معصوبة العينين ليدل ذلك على عدم رؤيتها لمن يتحاكمون أمامها.
وكلنا نمارس الحكم فى حياتنا، فالأب فى أسرته يحكم بين أبنائه، وكذلك الرئيس فى عمله يحكم بين مرؤسيه حتى نصل إلى الحكم بين أفراد المجتمع والمتمثل فى النظام القضائى المستقر عليه، فى مجتمعاتنا الحديثة، ولكن ما نراه اليوم، هو اصطدام هذا المبدأ بالمصلحة الشخصية، فما كنا نحكم به أيام الإخوان بأنه فساد واستغلال للمجتمع، نجد بعض أفراد المجتمع يرتضونه اليوم.
ولا أعلم هل إذا ما تعارضت المبادئ أمام المصلحة الشخصية، فإن المبادئ قد تنكسر على صخرة المصلحة الشخصية، وتتحول إلى شعارات زائفة، تقال ولا تنفذ، أو أن المبادئ التى نؤمن بها نعلقها فى دولاب الحياة، حينما تتعارض مع مصالحنا الشخصية، ونستدعيها حينما توافق هوانا ومصالحنا الشخصية.
إن المبادئ يجب أن تكون ثابتة وراسخة فى نفوسنا، تحركنا نحو الحق حتى تستقيم الحياة، لا أن نحركها فنستدعيها عند الحاجة إليها ونهملها عندما لا توافق هوانا، لأننا إذا أهملنا مبدأ العدل ونحيناه جانبا، فسوف تتحول الحياة إلى غابة، من يملك النفوذ والقوة استطاع أن يحصل على ما يريد، حتى وإن لم يكن حقه، ومن ضعف وهان ضاع حقه، وبذلك تنهار الحياة وتهلك الأمم.
أرى أنه يجب أن نراجع ضمائرنا، وأن نجعل مبادئنا منارة لنا، تنير لنا الحياة، فتهدينا إلى سواء السبيل، فى ظلامات الباطل التى تحيط بنا، ولا تحركنا مصالحنا مهما اصطدمت بمبادئنا، وإن تحركنا المبادئ، حتى تستقيم الحياة.
محمد على سليمان يكتب:عندما تصطدم المبادئ بالمصلحة الشخصية
الأربعاء، 12 مارس 2014 10:04 م
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة