لم يكن يوم 10 مارس 1969 عاديا فى تاريخ مصر، هو يوم احتشد فيه ما يقرب من مليون شخص لتشييع جثمان الشهيد الفريق عبد المنعم رياض، رئيس أركان الجيش المصرى، والذى استشهد فى اليوم السابق، أثناء تواجده فى الخطوط الأمامية لجبهات القتال مع العدو الإسرائيلى.
لم يكن استشهاد "رياض" حدثا عاديا، فهو القائد الذى أوكل إليه جمال عبد الناصر مسئولية إعادة بناء الجيش المصرى من الناحية القتالية بعد نكسة يونية 1967، وكان قائدا عسكريا فذا من طراز قيادات الجيوش التى تجمع بين العلم والتواجد بين الجنود فى ميادين القتال.
لم يكن "رياض" من جنرالات المكاتب، ولأنه كذلك كان يتنقل باستمرار بين وحدات الجيش، ليرى على الطبيعة أحوال جنوده الذين كانوا يستعدون على قدم وساق لمعركة تحرير الأرض، وفى يوم 9 مارس سافر إلى خطوط الجبهة الأمامية، ليزور عدة مواقع عسكرية كان من بينها "الموقع نمرة 6"، ومن خلاله راح بمنظاره يلاحظ حركة العدو على الشاطئ الآخر من القناة، وفجأة انهالت دانات المدفعية الإسرائيلية على الموقع، لتطوله إحداها كما طالت الضابط الذى كان يرافقه، وبعد خمس دقائق ناده الضابط: "إزىّ الحال يافندم؟"، لكنه لم يتلق ردا، وتلقى عبد الناصر خبر استشهاده أثناء اجتماعه بالحكومة، فكان زلزالا كبيرا ظهر عليه أثناء الجنازة فى اليوم التالى.
"رياض" كما يصفه الكاتب الصحفى محمود عوض فى كتابه "اليوم السابع _ الحرب المستحيلة حرب الاستنزاف": "لم يكن منذ بدايته ضابطا عاديا، كان عاشقا للعسكرية المصرية مؤمنا بأنه لا حياة لمصر بغير جيش قوى يحميها، والجيش القوى يعنى الجيش الذى يستعد لحرب قادمة، وليس لحرب سابقة، يعنى التبحر فى العلم العسكرى".
السيرة الذاتية لـ"رياض" نقرأها فى كتاب "نسر مصر- عبد المنعم رياض حيا وشهيدا" لمؤلفه "عبد التواب عبد الحى"، وتكشف أننا أمام رجل لم يهدأ من البحث عن المعرفة، ليس فى مجاله العسكرى وفقط، وإنما فى شتى علوم المعرفة، كان قارئا للفلسفة والتاريخ والأدب والشعر، وكان يهوى الاستماع للموسيقى، ويتحدث الإنجليزية والفرنسية بإجادة، ويتعلم حتى الإجادة الألمانية والروسية، ويلم بالأسبانية والإيطالية.
ينقل "عوض" وصفا لجنازة "رياض" على لسان مصطفى طلاس وزير الدفاع السورى الأسبق حيث كان مشاركا فيها ممثلا عن سوريا: "عشت فى القاهرة من قبل إلا أننى فى ذلك اليوم فوجئت بأن شوارعها وميادينها اتسعت فجأة لكى تضم مئات الآلاف من المصريين، خرجوا بعفوية يشاركون فى الجنازة، وفى إحدى النقاط ذاب عبد الناصر من بيننا وسط الناس وهم جميعا يتدافعون إليه ليقولوا له: "البقية فى حياتك يا ريس، ولا يهمك يا ريس، الثأر يا ريس، معك ثلاثين مليون عبد المنعم رياض يا ريس (30 مليون نسمة عدد السكان وقتئذ)، يضيف طلاس: "تطلعت حولى فوجدت أن طاقم الحراسة الخاصة بـ"عبد الناصر" ذاب فى وسط الناس، ثم وجدت رؤساء الأركان العرب المشاركين يتحولون إلى مواطنين يغمرهم الانفعال".
سعيد الشحات يكتب: ذات يوم.. 10 مارس 1969.. جنازة مليونية لعبد المنعم رياض.. وعبد الناصر يذوب بين الجموع
الإثنين، 10 مارس 2014 08:55 ص
عبد المنعم رياض
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة