لا يمكننا بالطبع أن نتجاهل السياق الذى جرت فيه الانتخابات البرلمانية السابقة، فى أعقاب الفعل الثورى فى 25 يناير، ولا ظروف التوظيف المتبادل فى العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمون، أكبر فصيل سياسى فى البلاد عشية تنحى مبارك فى 11 فبراير 2011، يوم تلفت المجلس العسكرى السابق حوله باحثا عمن يلقى فى حجره بكرة اللهب التى تسمى حكم مصر، فى أعقاب عقود من التجريف الفادح لمقدراتها، وارتفاع بالغ فى طموحات الشعب بعد هذا الفعل الثورى، بلا شك حظيت اللحظة بقراءة خاطئة من كل فرقاء الساحة المصرية، ولكن الطرف الإسلامى كان هو الطرف الأكثر مراهقة فى قراءة اللحظة، التى اعتبرها لحظة مناسبة للتمكين، وتنظيم صفوف الحالة الإسلامية بعناوينها الثلاثة الإخوانية والسلفية والجهادية.
كان الإخوان يرون أنفسهم طوال الوقت الأقدر على تجسيد طموحات المعسكر الإسلامى سياسيا، باعتبار أنهم الأقدم فى ممارسة السياسة بين جميع ألوان الطيف الإسلامى، حاول الإخوان بالطبع فى البداية تشكيل تحالف واسع، ولكن على شروطهم، فبدأ الإعداد لما يسمى بالتحالف الديمقراطى من أجل مصر، الذى حاولت الجماعة أن تصدر من خلاله صورة الجماعة الوطنية التى نجحت فى جمع جميع أطياف الثورة، فى مواجهة الحزب الحاكم السابق، ولكن هذا التحالف لم يصمد طويلا بفعل روح الأثرة بالأساس، والنظرة الضيقة لفكرة الشراكة الوطنية، خصوصا أن الجماعة لا تؤمن أصلا بفكرة المعارضة، سوى فى كونها مجرد مسهل سياسى قد يكون مطلوبا وهى فى المعارضة للمساعدة على فتح الأفق السياسى، لكنها بالطبع ترغب فى معارضة تصنعها على شروطها، عندما تكون فى الحكم، وهكذا برهنت فى سلوكها السياسى فى أعقاب الثورة وحتى الوصول لقصر الحكم، على إيمانها الزائف بفكرة الشراكة الوطنية.
ربما المشهد هذه المرة والسياق مختلف تماما، فالحالة الإسلامية لحركات الإسلام السياسى التى كانت تشى بأنهم مقدمون على الحكم، وحاولوا بناء تحالف إسلامى لتنظيم الكتلة الإسلامية كداعم لكل استحقاق سياسى قادم عبر الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح، التى حاولوا من خلالها ضبط إيقاع المعسكر الإسلامى لدعم احتمال وجود إخوانى طويل فى الحكم، تصدع هذا التحالف الإسلامى بخروج حزب النور على خلفية ما جرى مع مستشار سلفى لرئيس الجمهورية من إقالة مهينة، جسدت الخصومة المكتومة بين الإخوان والدعوة السلفية التى خرج عنها حزب النور، كان الصوت الإسلامى موزعا بين الإخوان والنور والجماعة الإسلامية والوسط، أما فى هذا السياق السابق على انتخابات برلمان 2014 فالإخوان بين خيارين، إما إدارة الظهر لكل الاستحقاقات الانتخابية ومواصلة التصعيد الهادئ والمبرمج فى الداخل، مع ترك التصعيد الأكبر للخارج ممثلا فى التنظيم الدولى من خلال معركة قانونية وإعلامية يراهنون على جدواها فى إحراج النظام ودفعه للقبول بتقديم تنازلات، وإما إعادة تنظيم صفوفهم وخوض المعركة الانتخابية، وساعتها سيتوزع الصوت الإسلامى بين شريحتين، الأولى هى شريحة حزب النور الذى ربما يتحالف مع بعض القوى المدنية أو قوى النظام السابق، بينما تنتظم الشريحة الثانية الإخوان، وباقى المجموعات الإسلامية الأخرى، إضافة إلى التيار السلفى العام تحت أى عنوان من عناوين الأحزاب المحسوبة على جماعة الإخوان، سواء مصر القوية أو الوسط.
الصوت الإسلامى هذه المرة يبدو متشظيا بين تلك القوى، سواء الإخوان وحزب النور متحالفا مع بعض القوى المحسوبة على النظام السابق، وتجتذب هى أيضا جزءا من الجمهور السلفى إلى جانب القاعدة التصويتية للحزب الوطنى السابق، إضافة إلى الكتلة الثالثة التى تعبر عن التيار السلفى العام والمرتبط بمجموعة من مشايخ التيار السلفى العام، وجزء كبير من هؤلاء لا يؤمن أصلا بفكرة الديمقراطية والصندوق أحد أهم آلياتها، وقدمت تجربة الإخوان له مبررات جديدة لمقاطعة العملية برمتها، لذا سيقاطع فى الغالب جزء كبير من هؤلاء العملية السياسية وأى استحقاقات انتخابية مرتبطة بها، لذا سيبقى الصراع الحقيقى بين الإخوان من جانب وجماعة حزب النور إذا تحالفت مع مجموعات النظام السابق، أما إذا لم تتحالف جماعة حزب النور مع النظام السابق، فسيبقى الصراع بين الإخوان وحلفائهم من جانب، ومجموعات النظام السابق من جانب آخر.
أين يذهب الصوت الإسلامى فى الانتخابات البرلمانية المقبلة؟
السبت، 01 مارس 2014 06:04 ص
أحمد بان
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة