النفاق السياسى آفة خطيرة تنتشر غالبًا فى الدول النامية أو الآخذة فى النمو، تلك التى تتسم بالتخلف وتدنى القيم الأخلاقية والافتقار الثقافى، تلك المجتمعات التى لا يمثل التعليم والبحث العلمى أولى أولوياتها ومحور اهتماماتها ويحل محلها السعى وراء المكاسب السياسية والمادية والدوران حول السلطة الحاكمة، أيما كان توجهاتها وقواعدها الفكرية وهذا بدوره ينتج عنه مساحة كبيرة من اهتزاز بل انعدام الثقة بين مكونات المجتمع، ويعد عائقًا وسدًا منيعًا فى سبيل تقدمه ونهضته.
النفاق السياسى درب دائم وقرين ملازم للنظام السياسى السائد فى المجتمعات، فأيما وجدت النظم الاستبدادبة والسلطة الديكتاتورية وجد النفاق السياسى، فالمستبد عادة ما يستخدم أساليب الثواب والعقاب ثوابًا لمن يلتف حوله وعقابًا لمن يعارضه وضعاف النفوس ومن على شاكلتهم يتقربون إلى النظام الاستبدادى خوفًا من بطشه أو طمعًا فى نعيمه.
ويعد النظام السياسى أولى ركائز عملية التملق والنفاق السياسى باعتباره المسئول الأول عن ثقافة المجتمع السائدة، فهو من يمتلك الأدوات الرسمية القادرة على التأثير فى وعى المواطن وتشكيل ثقافة المجتمع، ويسعى جاهدًا لحشد الناس وراء سياساته، وليس مهمًا أن يكون التأييد بالاقتناع بل قد يكون بالرياء أو الخوف والقهر أحيانًا، وفى ذات الوقت الذى يسعى فيه لحشد المتسلقين والانتهازيين يسعى أيضًا وجاهدًا لإقصاء من يعارض سياساته فهو يأبى إلا أن تكون سياساته هى الصحيحة والمقدسة، ولا يجوز معارضتها أو تناولها بالنقد والتقويم.
إن البعض من الطبقة السياسية وفئة المثقفين وأصحاب الرأى وحاملى الأقلام ورواد الإعلام المحسوبين على السلطة، هم السمة الأساسية للأنظمة الاستبدادية فهم الأداة التنفيذية لسياسات تلك الأنظمة، حيث يتحول المثقفون والمبدعون إلى حملة مباخر بهدف الحفاظ على مكاسب الماضى ومغانم الحاضر والمستقبل متخذين من الثقافة الميكافيلية منهجًا وسبيلا والتى أوردها فى كتابه الأمير بأن الغاية تبرر الوسيلة وتلك الثقافة لا تصلح لبناء الأمم وتقدم الشعوب وتعد انعكاسًا لتدنى كفاءة الأداء السياسى والاقتصادى وغياب الوازع الأخلاقى فى المجتمع، فهم دائمًا على أهبة الاستعداد لتبرير كافة الممارسات اللا أخلاقية لأى نظام، وهم المدافعون عن ممارسات الإقصاء لكل من يحمل وجهة نظر مغايره ليس عن ممارسة دوره فى المجتمع بل قد تمتد إلى سلب حقه فى الحياة.
فى ظل غياب دولة المؤسسات وسيادة القانون وغياب التوزيع العادل للثروة وتردى الاحوال المعيشية لعموم الشعب يجد أى نظام سياسى جديد تحديًا لمواجهة ثقافة المصالح الفردية القائمة على الأنانية واعلاء الذات على حساب المصلحة العامة للوطن بل يدفع عموم الشعب إلى التحلى بالصدق والأخلاق الكريمة والمبادئ السامية والغايات النبيلة، فالثقافة الجمعية هى التى تنهض بالمجتمع ولو لم تتخذ النظم السياسية ما يحول بينها وبين تلك الطبقة من المنتفعين وأصحاب المصالح ستفشل حتمًا فى إقامة نظام سياسى ديمقراطى سليم.
الشعوب هى من تبنى الأوطان وتصنع الأجيال، ولابد أن نكون على قدر الصناعة والبناء وعدم التقصير، فيما ما يتطلبه ذلك من جهد وجد وعمل.
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة