أكد د. مهندس استشارى إبراهيم العسيرى، خبير الشئون النووية والطاقة وكبير مفتشين سابقا بالوكالة الدولية للطاقة الذرية، أن دول العالم تبنى المزيد من المحطات النووية وتزعم أنها تفكك مفاعلاتها، والشائعات المغرضة تسعى كى تثنى مصر عن إنشاء محطتها النووية الأولى.
وقال العسيرى، الحائز على جائزة نوبل عام 2005 ضمن مفتشى الوكالة الدولة للطاقة الذرية مناصفة مع الدكتور محمد البرادعى مدير عام الوكالة آنذاك، فى تصريح خاص، اليوم، الخميس، إن العدو يستغل هذا الزعم حتى يدفع إلى تعطيل المشروع النووى المصري، مؤكدا أن إستراتيجية إنتاج الكهرباء فى مصر خاصة، وفى الدول العربية عامة، تستلزم الاعتماد المتزايد على الطاقة النووية، وخاصة الدول التى ليس لديها وفرة من الغاز الطبيعى أو البترول مثل مصر، مدعومة بالتوسع فى استخدام الطاقة الجديدة والمتجددة، مع الحد التدريجى من الاعتماد على البترول والغاز والفحم فى إنتاج الكهرباء وتحلية المياه.
وشدد على أن هذه الإستراتيجية يجب أن لا تكون ألعوبة تغيرها وتبدلها أحداث خارجية أو الانقياد لسياسات دول خارجية أو طبقا لأهواء أشخاص هنا أو هناك ليسوا متخصصين فى الطاقة النووية أو استراتيجيات تخطيط وإنتاج الطاقة. وقال إن كل شىء جاهز الآن فى مصر لطرح المواصفات الفنية للمحطة النووية المصرية الأولى فى انتظار القرار السياسي، مشيرا إلى أن نهاية يناير الحالى هو الحد الأقصى لطرح مناقصات المحطة النووية الأولى بمصر، ويجب أن لا نتأخر عن ذلك حتى لا نفقد مصداقيتنا مع الاستشاريين العالميين والدول الأجنبية التى تتعاون معنا حتى لا ينتابهم الشعور بعدم الجدية من جانبنا إلى جانب الكوادر العاملة فى مصر حتى لا يذهبون إلى دول أخرى.
ونوه بأن هذا القرار يمكن أن يصدر إما من خلال دعوة رئيس الجمهورية للمجلس الأعلى للاستخدامات السلمية للطاقة النووية للاجتماع وهو برئاسته، أو من خلال المجلس الأعلى للطاقة الذرية وهو برئاسة رئيس الوزراء، أو من خلال وزير الكهرباء والطاقة، حتى نتجنب خسارة حوالى 8 مليارات دولار سنويا.
وأوضح أن هذا المشروع مشروع قومى وليس مشروعا للقطاع خاص وسينتج حوالى 13 ألف ميجاوت كهرباء أى بما يعادل نصف قدرة شبكة كهرباء مصر الحالية، مشيرا إلى أنه "يعود على مصر بالنفع المباشر حيث أن تكلفة الكيلووات ساعة من الكهرباء من الطاقة النووية أقل 4 أو 5 مرات من إنتاجه من الطاقة الشمسية، وثلاثة مرات من إنتاجه من طاقة الرياح.. فى ظل أنه لم يعد لدينا مصادر أخرى للطاقة وخاصة الغاز الطبيعى الذى أصبحنا نستورده بتكلفة عالية والذى يستخدم فى توليد أكثر من 70% من استهلكنا من الكهرباء، كما أنه تم بالفعل استخدام طاقة المساقط المائية لدينا بالكامل والتى لا تمثل سوى 6 فى المائة من استهلاكنا".
وقال العسيرى إن إنشاء المحطات النووية فى مصر سيتوالى بوتيرة عالية بعد إنشاء المحطة الأولى، مشيرا إلى أن هذه هى طبيعة إنشاء المحطات النووية، وأن مصر تتوفر بها المواقع الآمنة لإنشاء المحطات النووية، حيث تم إجراء دراسات لـ4 مواقع إضافية للاستمرار فى البرنامج النووى المصرى وإنشاء المزيد من المحطات النووية للأجيال فى المستقبل، ولفت إلى أن هذه المواقع تحتاج إلى المزيد من الدراسات التفصيلية التى سيتم البدء فيها بعد بدء المشروع النووى بالفعل.
وأكد حاجة مصر الماسة إلى تنويع مصادر الطاقة وتأمينها حتى لا نقع فى مشاكل ضخمة، سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وعسكريا، لافتا إلى أن التوجه النووى لإنتاج الكهرباء سيؤدى إلى تشغيل العمالة وتخفيف مشكلة البطالة وإضافة صناعات جديدة بمواصفات عالية للاقتصاد المصرى، مشيرا إلى أن المكون المصرى فى المحطة النووية طبقا لمواصفاتها الفنية يبلغ حوالى 20% فى المحطة النووية الأولى وحوالى 35 فى المائة فى الثانية، منوها بأن المشروع النووى المصرى سيخدم السياحة أيضا لأن موقع المشروع سيمثل مزارا عالما لأنه المشروع الأول من نوعه فى شمال أفريقيا.
ولفت إلى أن المشروع النووى المصرى سيمثل نقلة كبيرة جدا للشعب المصري، حيث سيكون بمثابة "سلاح الردع بالمعرفة" لأن الدول تحترم بعضها البعض وفقا لمعرفتها بالتكنولوجيا وليس على أساس امتلاكها للقوة فقط، كما أنه سيعمل على تشجيع البحث والتطوير والتسويق، مشيرا إلى أن كوريا الجنوبية واليابان بدأتا فى هذا المجال بعد مصر بسنوات طويلة وهما الآن تصنعان مفاعلاتهما النووية بنسبة 100%، بل وتقومان بالتصدير حيث إنهما تبنيان مفاعلات لدول أخرى.
وأوضح أن دخول مصر المجال النووى لإنتاج الكهرباء لا يمثل أى خطر على أى دولة أخرى، لأن مصر من الدول التى صدقت على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، التى تسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتفتيش على المحطات النووية والتأكد من استخدامها فى الأغراض السلمية فقط، مشيرا إلى أن مصر من الدول الرائدة فى المنطقة والعالم لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من أسلحة الدمار الشامل.
وحول إشغال مصر حاليا بأعباء المرحلة الانتقالية، أكد العسيرى أنه يجب "على مصر أن تحل جميع مشاكلها من حيث الانتخابات والأمن والتنمية بالتوازى وإلا فإن المركب ستغرق"، مشيرا إلى أن كل وزير يجب أن يقوم بدوره فى مكانه، كما أن حل مشكلة الطاقة يمثل أولوية قصوى فى مصر حتى لا نعانى من الظلام.
ولفت إلى أن المحطة النووية الأولى فى مصر أمامها من 4 إلى 5 سنوات بعد الطرح الرسمى للمواصفات حتى تدخل مرحلة التشغيل، ومن ثم فلابد من البدء فى إنشائها على الفور، مشيرا إلى أن مرحلة طرح العطاءات تستغرق 6 أشهر كما أن مرحلة تلقى العروض وتحليلها واختيار الجهة المنفذة تستغرق 6 أشهر أخرى على الأقل.
وأشار إلى أهمية توقيع بروتوكول تعاون مؤخرا بين هيئة المحطات النووية والهيئة الهندسية للقوات المسلحة للبدء فى إعادة تأهيل موقع الضبعة، وذلك فى إطار الخطوات الجادة التى يقوم بها قطاع الكهرباء لتنفيذ مشروع المحطة النووية الأولى هناك، مشيرا إلى أهمية أن تسير عملية طرح مناقصة المحطة بالتوازى لأن هناك عام على الأقل قبل بدء تنفيذ المحطة.
وقال العسيرى، "يسعى أعداء مصر فى الداخل والخارج إلى تعطيل مشروع المحطات النووية المصرى لتحقيق مصالح شخصية لهم حتى وإن تعارض ذلك مع مصلحة مصر، حتى تظل مصر بحاجة إلى استيراد مصادر الطاقة من غاز طبيعى أو سولار أو حتى الفحم، ويسعى أعداؤها إلى منعها من امتلاك التكنولوجيا النووية وتطوير الصناعة المصرية ورفع جودتها وتوفير مصدر مهم وحيوى للطاقة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية".
وأضاف: "للأسف الشديد، فإن العدو يوحى بهذا الزعم إلى مواطنين مصريين شرفاء، ويقنعهم بهذه المزاعم ويتركهم يتصدرون المشهد بتبنى هذا الزعم وترويجه وإقناع متخذى القرار به ويتوارى هو خلف الستار لأنه يعلم جيدا أن أى ظهور صريح له فى الساحة سيدفع الشعب المصرى إلى روح التحدى والتصميم على المضى فى تنفيذ المشروع.
وقال العسيرى، وهو العالم المصرى الحاصل على جائزة الدولة التشجيعية فى العلوم الهندسية عام 1986 والحاصل على نوط الاستحقاق من الطبقة الأولى عام 1995، "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين.. وأكبر دليل على ذلك هو تصريحات آمنون شاحاك، رئيس الأركان الإسرائيلى الأسبق بأن "كل الوسائل مقبولة لحرمان الدول العربية من القدرات النووية".
وشدد العسيرى على أنه رغم أن العالم المتقدم والنامى مهتم تماما بإنشاء المحطات النووية والتوسع فى إنشائها، إلا أنه مازال هناك من لا يزال يطلق الشائعات، والتى كان آخرها فى ندوات عقدت بالضبعة وهى الموقع الذى تم اختياره لإنشاء المحطة النووية المصرية الأولى، بل ويروج لها بعض غير المتخصصين فى تكنولوجيا المفاعلات النووية واستراتيجيات إنتاج الطاقة الكهربائية، بحجة أنه كيفت تبنى مصر مفاعلا نوويا ودول أوروبا تفكك مفاعلاتها النووية.. وللأسف فقد انساق وراء هذه المقولة العديد من أهل الضبعة، كل إما لغرض فى نفسه أو بدون علم أو قصد".
وفيما يتعلق بما نشرته وسائل الإعلام عن خطط ألمانيا وسويسرا بشأن إيقاف مفاعلاتها النووية فى العشر أو العشرين سنة القادمة برغم عدم تأييدها قانونيا أو شعبيا وبعد انتهاء عمرها الافتراضى، قال د. العسيرى "يجب وضع هذا الخبر فى إطاره الصحيح دون تهويل أو تهوين"، مشيرا إلى أن قرار ألمانيا وسويسرا أصبح غير واقعى وكان له دوافعه وأسبابه التى تخصهما وحدهما ولا ينبغى أن ننساق وراءهما بلا فهم وبلا عقل، حيث أن أكثر من 30 دولة فى العالم تبنى المزيد من المحطات النووية طبقا لخططهم الإستراتيجية واحتياجاتهم من الطاقة الكهربائية، وفرنسا تنتج حوالى 80% من إجمالى إنتاجها من الكهرباء على أراضيها من الطاقة النووية.
ولفت إلى أن دولا يبلغ تعداد سكانها حوالى 10 ملايين نسمة وبها العديد من المحطات النووية العاملة، مثل السويد التى يبلغ تعداد سكانها 9 ملايين نسمة وبها 10 مفاعلات نووية عاملة لتوليد الكهرباء، وفنلندا التى يبلغ تعداد سكانها 5 ملايين نسمة بها 4 مفاعلات نووية عاملة، وجمهورية التشيك التى يبلغ عدد سكانها حوالى 10 ملايين نسمة بها 6 مفاعلات نووية عاملة، وبلجيكا التى يبلغ تعداد سكانها 11 مليون نسمة وبها 7 مفاعلات نووية عاملة، كما أن إيران بها محطة نووية عاملة وستلحق بها الإمارات العربية المتحدة قريبا.
وأوضح أن "المفاعلات النووية لدى والسويد التى قالت إنا تريد أن تغلقها فى الثمانينات لازالت تعمل رغم أنها تعدت عمرها الافتراضى، أما فى ألمانيا فقد أصدرت المحكمة الإدارية العليا قرارا فى يناير الجارى بعدم قانونية الإغلاق القهرى لمحطة ببليس النووية وبالتالى فإن الشركات المنفذة ستطالب باستمرار تشغيلها كما ستطالب بتعويض كبير عن تعطيل إنشاء المفاعلات.. وفى تصويت شعبى أجرته سويسرا فى هذا الشأن فى أكتوبر 2013 صوت 68% من المشاركين لصالح الإبقاء على المفاعلات النووية الخمس الحالية بسويسرا نظرا لأهمية ذلك فى تنويع مصادر الطاقة والحفاظ على استقلالية سويسرا، كما أن 62% من المشاركين يرون أن هناك مزايا اقتصادية وبيئية عديدة لاستمرار المحطات النووية".
ونوه بأن ألمانيا وسويسرا من الدول التى ليس لديها تزايد حقيقى فى عد السكان بل إن عدد سكانها فى تناقص وبالتالى فإنها ليست بحاجة إلى زيادة معدلات إنتاج الكهرباء بأراضيها، وهذا لا ينطبق على مصر حيث إن معدل تزايد السكان يزيد عن المليون نسمة سنويا، كما أن معدل استهلاك الكهرباء بها يزيد عن 7 فى المائة سنويا على أقل تقدير.
وأوضح أن إجمالى عدد مفاعلات القوى النووية العاملة على مستوى العالم يبلغ 438 وحدة نووية بالإضافة إلى 71 من مفاعلا للقوى النووية تحت الإنشاء على مستوى العالم طبقا لإحصائيات الوكالة الدولية للطاقة الذرة حتى يناير 2014. وقال إن الصين بها 28 محطة نووية لتوليد الكهرباء تحت الإنشاء فى آن واحد، وبها 18 وحدة نووية عاملة رغم أنها أول دول العالم إنتاجا للفحم وتنتج وحدها 50% من الإنتاج العالمى منه كما أنها ثانى أكبر دولة امتلاكا لاحتياطى الفحم.
خبير نووى: العالم يبنى مزيدا من المفاعلات والشائعات تعطل مشروع مصر
الخميس، 06 فبراير 2014 03:31 م
صورة أرشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة