فى القاهرة لا تعدم أن تسمع من أصوات الشرق ما يقض مضجعك كتلك النغمات التى تنبعث من قرع الطبول فى حفلات الزواج، وترى السكان يركبون حميرهم والصبية وراءها يحملونها بالضرب على الإسراع وهى تتألم، والرجال والنساء يسيرون فى الشوارع فى تأن ومهل، بالرغم من أنهم يبدون متدفقين فى جملتهم إلا أنهم يتحركون ببطء شديد شأنهم فى ذلك شأن كل شىء فى الشرق، فهم يؤمنون أن العجلة من الشيطان وعلى هذا فإننا نسير وفق ما جرت عليه الأمور عندهم ونواسى أنفسنا بترديد أن الله مع الصابرين والرجال يظلمون النساء كجزء من دينهم.
ألم يقل النبى اطلعت فى النار فإذا معظم أهلها من النساء، وإنهن خلقن من ضلع أعوج؟ إن اكثر ما يلطخ جبين المسلمين هو احتقار المرأة بصورة أبعد ما تكون من تلك النتائج الحسنة للعقيدة الإسلامية التى تنادى بالمساواة بين جميع المؤمنين أمام الله!
انتهى كلام الكاتب الإنجليزى ستانلى لينبول فى كتابه "سيرة القاهرة" من سلسلة مكتبة الأسرة، وتعالوا معى لنرى هل انتهينا عن ممارسة عادة الإزعاج فى الأفراح والمآتم، أم إننا طورناها بإضافة مكبرات الصوت والأمبليفاير، والدى جيه وهل توقفنا عن تعذيب الحمير واختفى الكرباج من أيدى اصحاب الكارو والعصا من أيدى الفلاحين وشطب من قاموسنا المثل الشائع " أكلت علقة لم يأكلها حمار فى مطلع"؟
ثم هل اختفت ظاهرة البطء أثناء قضاء المصالح أو المشى فى الشوارع أم مازالت دليلا دامغًا على عدم إحساسنا بالوقت وتقديرنا لقيمته الذهبية؟ ومازلنا نشاهد ما يؤكد أن يوم الحكومة بسنة ونسمع من الموظفين حين نتعجل قضاء المصالح هذه الكلمة " ياسيدى الدنيا ما تبنتش فى يوم".
وغير ذلك من كلمات الحق التى يراد من ورائها باطل أما نظرتنا للمرأة فراجعوا حالات الزواج لإنجاب الذكور وانتحار الزوجات اللائى لا ينجبن إلا الإناث لتعرفوا القيمة الحقيقية للمرأة فى حياتنا! نحن السبب الأوحد فى عدم القضاء بل تفاقم هذه السلبيات التى يتهمنا بها الأوربيون، ظانين أن ديننا هو الذى يأمرنا بها والدين منها براء، ومما زاد الطين بلة هذه الأيام هو ما يصدر عن بعض إخوتنا فى الوطن والدين من ترويع الآمنين ممن لا ينتمون إلى جماعاتهم، بعد أن أفتى لهم أمراؤهم بأنهم كفار ومرتدون مما أساء إلى عقيدتنا المسالمة وأظهر للغرب أن ديننا دموى بامتياز، بينما الديانات الأخرى لا تدعو إلا للحب والسلام، مع أن المسلمين ينطقون كلمة السلام عشرات المرات فى اليوم الواحد لكن الخناجر تكذب ما تطلقه الحناجر؟ ولن يكفى بعد كل هذا أن نرد على هذه الملاحظات – لا الافتراءات – بالكلام المقروء أو المسموع، ولكن ينبغى أن يكون ردنا بسلوكيات مرئية وملموسة تؤكد للآخرين أننا فعلا قادرون على تغيير ما بأنفسنا وأننا أتباع دين سمح يدعو للبناء لا الهدم والأمن والأمان لا الترويع، لأن من روّع الناس فى الدنيا روّعته الملائكة يوم القيامة؟ ويجب ألا نضيق بالنقد وإبراز العيوب، بل نشكر كل من يهدى إلينا عيبًا يراه فينا ناهجين سنة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، حين قال: رحم الله امرءًا أهدى إلى عيوبى.
ورقة وقلم
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة