لقد خلق الله الإنسان من مادة وروح، فتمثلت المادة فى مظهر الإنسان الذى صوره الله فأحسن تصويره، أما الروح فتمثلت فى جوهر الإنسان وماهيته وفضائله، والإنسان لا يسمو بلونه ولا بطوله ولا بماله ولا بمظهره ولا بسلطانه، والله تبارك وتعالى لا ينظر إلى صورنا ولا إلى أجسادنا ولا إلى أموالنا ولكن ينظر إلى قلوبنا وأعمالنا، فالقلوب هى موطن نظر الله، والإخلاص فى الأعمال شرط لقبولها عند الله، وهو قيمة روحية.
إن قيمة الإنسان الحقيقية تكمن فى قيمه الروحية، فهى مبعث الحياة التى يعمرها السلام النفسى الذى هو الهدف الأسمى للإنسانية جمعاء، فالقيم موجودة ومطلوبة فى كل زمان ومكان، والمتغير الوحيد هو قرب الإنسان أو بعده منها ووسائل تحقيقها.
وتعتبر القيم الروحية هى الموجه الأساسى لسلوكيات الإنسان كلها تجاه خالقه فى مجال العقائد والعبادات، وتجاه الآخر فى مجال احترام الحقوق وترسيخ قيم التواصل، وتجاه نفسه فى مجال العناية بالصحة البدنية والنفسية.
إن الإنسان دائماً ما يعيش فى صراع بين مظاهر الحياة وجوهرها، ونادرا ما نجد أناس فرحين مستبشرين بحياتهم برغم ما توفر لهم من إمكانيات مادية فائقة فى حياتهم، إلا أن فى داخلهم يشعرون بتعاسة، نتيجة إنهم يفقدون السلام النفسى الذى لا يتحقق إلا بتشبع الروح بالقيم والفضائل التى هى أصل سعادة البشر.
والحديث عن القيم الروحية هو حديث عن القيم الدينية والعقائدية، فهى تحمل فى طياتها أساس السلام العقلى والذهنى والنفسى للإنسان، وهو السلام الذى يتيح للإنسان أن يتكيف مع كل مايوجهه من مصاعب الحياة ومختلف الظروف، وأن يتقبل العيش مع العسر بالقدر نفسه من الرضا والشعور بالراحة مثلما يعيش فى حياة اليسر، فالحياة من سماتها التغير والتقلب، ولا تسير على وتيرة واحدة، فالتقبل والرضا هما الفيصل فى كل الأحوال، ولا يدركها سوى الإنسان السوى الذى يعرف ماهية الحياة وحقيقتها.
ومن المؤسف إن الكثير من الناس تجزع ويتسم سلوكاياتهم بالأحباط وعدم التقبل فى حالة مواجهة أى ظروف قاسية، لأنهم لا يرون فى العيش إلا الماديات والمظاهر، فهم لا يدركون إن المظاهر والماديات سوف تزول عاجلاً أو آجلاً.. فعند العقبات تنكشف الوجوه الحقيقية لأصحاب الأقنعة، أما بالنسبة للوطن، فإن وطنيتهم غير حقيقية، لأنهم لا يجيدون سوى الكلام والجدال والشجار فقط دون أفعال حقيقية لوطنهم، فهم يعتنقون المظاهر دون غيرها كمنهج لحياتهم.
وخلاصة القول، إن الجوهر هو الأساس الذى يحمل المعنى الحقيقى للحياة.
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
مارثا ممدوح
الإناء ينضح بما فيه