سارة علام تكتب : فيلم «لا مؤاخذة».. حين يصبح «الصليب» حرجاً تسعى لإخفائه كأنه لحن فى نغمة شاذة العمل يعرّى أوجاعنا الطبقية والطائفية ويعود بالسينما المستقلة إلى شباك التذاكر

الإثنين، 03 فبراير 2014 05:41 ص
سارة علام تكتب :  فيلم «لا مؤاخذة».. حين يصبح «الصليب» حرجاً تسعى لإخفائه كأنه لحن فى نغمة شاذة العمل يعرّى أوجاعنا الطبقية والطائفية ويعود بالسينما المستقلة إلى شباك التذاكر فيلم لا مؤاخذة

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
عاد المركز القومى للسينما لدور العرض التجارية بإنتاج الفيلم الجديد «لا مؤاخذة» الذى يعرض حاليًا فى السينما، قبل أن يعرض للمرة الأولى فى مهرجان الأقصر للسينما المصرية والأوروبية.. الفيلم من إخراج وتأليف المخرج الشاب عمرو سلامة.

يبدأ الفيلم بتقنية الراوى العليم، حيث يحكى أحمد حلمى بصوته عن عائلة الطفل هانى، وهى أسرة مسيحية تعيش فى قمة الهرم الاجتماعى، الأب «هانى عادل» مدير بنك، والأم «كندة علوش» عازفة كمان، لذلك فإن الطفل هانى عبدالله بيتر نجلهما الذى يلعب دوره الطفل «أحمد داش» يدرس بإحدى المدارس الدولية، بما تفرضه تلك المدارس من واقع طبقى وثقافى معين على طلابها.

الفيلم الذى يتخذ طابعًا كوميديًا يناقش قضية التمييز الطائفى، وإن كانت قد تم تناولها أكثر من مرة فى أعمال درامية وسينمائية، إلا أن أسلوب وزاوية الطرح التى يتناولها الفيلم تختلف بعض الشىء.

تتغير حياة الأسرة عقب وفاة الأب، عبدالله بيتر، حيث يتبين أنه توفى تاركًا خلفه بعض الديون، فينصح أشقاؤه زوجته بتقليل النفقات، وإلحاق الطفل بمدرسة حكومية بدلا من المدرسة الدولية التى يدرس بها، وهى النقطة التى استند إليها المخرج فى تبرير التحول الدرامى فى حياة الطفل من طفل يعيش الاغتراب، ولا يعرف عن المجتمع المصرى شيئًا إلى طفل ينخرط فى الحياة اليومية للمصريين، بما تعانيه من واقع يومى مؤلم، إلا أن نقل الطفل من مدرسة دولية إلى مدرسة حكومية شابه بعض التفاصيل غير المنطقية.

تجاهل المخرج- ربما عن عمد- أن هناك ما يقرب من 4 أنواع من التعليم تبدأ بالمدارس الدولية، ثم المدارس الخاصة لغات، ثم المدارس التجريبية، وينتهى الهرم التعليمى الطبقى بالمدارس الحكومية، وهو ما لا يفسر على صعيد الأسرة التى ظلت تسكن فى الشقة نفسها، وتركب والدته السيارة الفارهة نفسها، ويمارس الرياضة فى نفس النادى، وكأن قضية نقل الطفل من المدرسة مفتعلة لجر الفيلم إلى الأحداث التالية دون الالتفات إلى باقى التفاصيل.

قبل أن يدخل الطفل مدرسته الحكومية للمرة الأولى تحذره والدته من الحديث فى الدين، بعد أن كان يواظب على الذهاب إلى الكنيسة مع والده، ويشيد القس بصوته فى الترنيم، وفى يومه الأول يقابل الطفل هانى عالم المدرسة الحكومية بالكثير من الدهشة، بداية من الطابور الذى يبدأ بناظر كلاسيكى متكرر منذ المسرحية الأشهر «مدرسة المشاغبين»، وحتى شغب المراهقين وعدم التزامهم بآدابه.

ثم يبدأ التلميذ فى التعرف على المدرسين، فيسأل أحدهم عن وظيفة والد كل طفل، وهنا يتدخل الراوى العليم ليؤكد أن المدرس يفعل ذلك لتحديد المستوى الاجتماعى لكل منهم، يصف كل تلميذ والده بـ«لا مؤاخذة»، كأن يقول أحدهم «لا مؤاخذة سباك»، «لا مؤاخذة حلاق»، يلتقط الطفل الأنيق الكلمة التى يسمعها للمرة الأولى، ويقول «لا مؤاخذة مدير بنك»، ليقرر طلاب الفصل إطلاق لقب «لا مؤاخذة» عليه، بعد أن أفهمه المدرس أن وظيفة والده لا تحتاج لـ«لا مؤاخذة» قبلها.

وفى رحلة التعارف بين هانى ومعلميه، يسأل مدرس الدين عن أسماء التلاميذ، فيكتفى هانى باسمه الثنائى «هانى عبدالله» قبل أن يسكته المعلم، ويقول الحمد لله كلنا مسلمين، مما يدفع الطفل لإخفاء ديانته عن زملائه معظم أحداث الفيلم، حتى يتطوع زميله بالمقعد لتعريفه على فصل الأقباط قائلا «فصل الكوفتس.. الأربعة ريشة»، وهى الكلمات التى يسمعها هانى للمرة الأولى، إلا أن هذا المشهد جاء متأخرًا فى الفيلم، فلم يعط المشاهد دليلًا دراميًا على خوف التلميذ من التعبير عن ديانته حتى تلك اللقطة التى تحتاج إلى إعادة مونتاجها مرة أخرى لتسبق خوف الطفل، وليس العكس.

يحاول هانى أن يكسب ود زملائه الجدد الذين شعروا بالفارق الطبقى بينهم، مما برر تخويفه وممارسة العنف ضده.. يشارك فى مسابقة للاختراعات بدعوة من مدرسة أحبها بعد أن شعر من اسمها وملابسها أنها قبطية تشاركه وجع الاغتراب داخل مجتمعه الجديد، إلا أنه يفشل وينال حظه من السخرية، ومن تجاهل الناظر لاختراعه «طائرة بالريموت كنترول».
مرة أخرى، يفكر فى دخول العالم الجديد، ونيل احترام الطلاب، فيلجأ للمشاركة فى مسابقة الإنشاد الدينى، ويمر بمشاهد دعاة التكفير ودعاة التنوير، دون أن تثير أى ردود فعل على الطفل، مما يطرح علامة استفهام جديدة حول أهمية المشهد، إلى أن ينتهى الأمر بالطفل لحفظ أسماء الله الحسنى التى تمكنه من الفوز بالمسابقة دون أن ينجح فى كسب ود زملائه، إلا مؤمن، نجل الحلاق، الذى يشاركه المقعد الأول فى الفصل.

تركز مشاهد الفيلم على بعض الفوارق الطبقية الشاسعة فى المجتمع المصرى، فحين يزور مؤمن، زميل هانى، منزله، يشرب كوب الشيوكولاتة الساخنة مرة واحدة كدليل على حرمانه، بينما يتناوله هانى وزملاؤه القدامى فى المدرسة الدولية بتأنٍ شديد دليلًا على التعود والنعمة.. يسمع هانى وزملاؤه أغانى «الروك آند رول»، بينما يعرفه مؤمن على عالم أوكا وأورتيجا والأغانى الشعبية التى تمثل طبقته.

الطفل الذى أخفى ديانته يبالغ فى إخفائها مع تطور الأحداث، يستبدل سورة الفلق بتمثال لجسد المسيح معلق على حائط غرفته حين يزوره زملاؤه، وعندما يفشل فى المرة الثانية فى دخول مجتمع مدرسته الجديد يستعين بالمسيح ويعود لكنيسته، مما يكشف الصراع الداخلى عند الطفل مدّعى الإسلام، الذى يطلب من الله أن يلفت نظر زملائه إليه.. يحاول أن يمارس دوره كأمين فصل، ويكتب اسم زميله على الحائط لينال حظه من الضرب من الطفل «على على» زميله البلطجى ذى العلامة فى الوجه.

تزور والدته المدرسة مرتدية الصليب، رغم أن مخرج الفيلم أشار أكثر من مرة إلى أنها لا دينية ترفض الذهاب إلى الكنيسة، وتجمع تماثيل المسيح والعذراء من المنزل عقب وفاة زوجها المتدين، وكأن ارتداءها الصليب أتى خصيصا لكى تشكو ضرب ابنها فى المدرسة، فيتحول المعلمون والتلاميذ نحو التمييز الإيجابى تجاه الطفل الذى أخفى ديانته.

يستخدم المخرج تقنية «الزوم» على صدر الأم وهى ترتدى الصليب، مستخدمًا موسيقى تصويرية صاخبة تحذر من انقلاب أحداث الفيلم الذى يأتى بعد ذلك، ثم يغنى هانى عادل أغنية الفيلم كأنه لحن ونغمة شاذة ومش محسوب فى وسط المعادلة، مش مكتوب فى جملة عدلة.

عقب تلك الزيارة التى فضحت ديانته، يترك هانى لعبة «كرة السرعة» التى لا يواجه فيها أحدًا إلى لعبة الجودو حتى يتمكن من هزيمة «على» الذى يضربه دائمًا، فيتدرب على أنغام أغنية فيلم روكى فى مشهد أقل كثير من مستوى الفيلم دراميًا وفنيًا، ويتمكن فى النهاية من هزيمته وسط تصفيق التلاميذ.

تحاول الأم طوال الفيلم الهجرة إلى كندا، وهى اللقطات التى لم يستفد منها المخرج دراميًا سوى أن الطفل رفض الهجرة، آملًا الانخراط فى عالم المدرسة، ولم تبذل والدته أى محاولات لإقناعه أو التفاهم معه حول الأمر، وكأنه حدث عابر فى حياة الأسرة، مما يبدو أيضًا غير منطقى.

يظهر طالب من آن لآخر فى الفيلم، تاركًا شاربه ومرتديًا نظارة طبية يلعب دور الضمير يحذر هانى «الحمل» من العيش وسط «الوحوش»، يحسب للفيلم دقة اختيار شخصياته وأبطاله وعناصره، بداية من الطفل البطل الذى ينبئ بميلاد نجم جديد، مرورًا بكندة علوش التى تجسد شخصية المسيحية للمرة الثانية بعد دورها فى فيلم «واحد صحيح»، والأغنية التى وضعت المشاهد على جرح الفيلم وهمه الكبير وهو التمييز الطائفى.





مشاركة




لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة