على مدى يومين، تابعنا بكثير من الفضول والترقب والألم- أخبارًا و«توك شو»- مصير المخرج الشاب محمد رمضان، فقد اختفى أثره فى منطقة «باب الدنيا» بسانت كاترين فى سيناء، حيث كان فى رحلة سفارى مع 7 من زملائه، وهاجمتهم عاصفة من الأمطار والثلوج، وتاهت تحت أقدامهم خريطة طريق النجاة، وتم إنقاذ أربعة منهم كانوا بين الحياة والموت، وعثر على الثلاثة الآخرين جثثًا هامدة، وبقى محمد رمضان تائهًا لا نعرف مصيره، وطالت ساعات الانتظار قبل الإعلان عن اكتشاف جثته، وبقيت رحلته مع الموت دراما واقعية وحقيقية، لا يعرف تفاصيلها كاملة سواه.
التقيت المخرج الشاب فى مناسبتين سينمائيتين، وجمعتنا أحاديث ودية قصيرة، وكم كان دمث الخلق، وحاضر البديهة والطيبة والابتسام.. كانت المرة الأولى عندما شارك فيلمه «حواس» فى مسابقة الأفلام القصيرة بمهرجان الإسكندرية السينمائى عام 2011، والذى تشرفت برئاسته، وحصل «حواس» على جائزة لجنة التحكيم التى كان يرأسها د. محمد كامل القليوبى، وعضوية الناقدة ماجدة موريس، والمخرج عمرو سلامة.
أما المناسبة الثانية، فكانت فى مهرجان دبى السينمائى، وكان «حواس» فيلمًا لافتًا بمستواه الفنى وفكرته ومعالجته المختلفة، فشارك أيضًا فى مهرجان الأقصر للسينما الأفريقية، ثم حصل مؤخرًا على جائزة الفيلم الروائى القصير من المهرجان القومى للسينما بعد أن تأجل انعقاده لمدة ثلاث سنوات.. وكان محمد رمضان قد عرف طريقه لصناعة الأفلام بعد تخرجه فى كلية الهندسة، ثم فى المعهد العالى للسينما، وكان «حواس» فيلم تخرجه.
وقد اعتدنا فى مصر- بلا سبب مقبول أو منطقى- أن نتوقف فنيًا ونقديًا أمام الأفلام الروائية الطويلة مهما كانت قيمتها أو مستواها، بينما نمر مرور الكرام، وربما لا نمر، على الأفلام القصيرة بحجة أنها «قصيرة»، وأن عروضها وجمهورها محدود، رغم أنها أصبحت تمثل مساحة مهمة فى حياتنا السينمائية، وتشارك فى عشرات المهرجانات العربية والدولية، وهو ما حدث مع «حواس» الذى حصد عدة جوائز كانت كافية للانتباه له ومناقشته.
فكرة ومعالجة فيلم «حواس» تصور ممرضة شابة يتم تكليفها بمتابعة مريض شاب يعيش فى حالة غيبوبة بغرفة الإنعاش، ولأنها فتاة تعانى من الوحدة والغربة فى حياتها، فتتوهم أو تدخل فى حكاية حب تكون هى بطلتها الوحيدة، حوارًا ومشاعر وأحلامًا «مدة الفيلم 16 دقيقة»، ورغم محدودية المكان والحدث فى «حواس»، فإنه ينبض بالحيوية فى تدفق المشاعر لممرضة مع رجل شبه ميت، والفيلم يستحق المشاهدة فعلاً.
ولعل أفضل تأبين وتكريم للمخرج الشاب محمد رمضان أن تبادر قنوات تليفزيونية بعرض الفيلم، وأظن أن الكثيرين يرغبون فى مشاهدة عمل هذا المخرج الذى اهتمت مصر كلها بمصيره وتمنت نجاته.. ولعل الفيلم يكون أفضل دليل وتعبير عن هذا الشاب الذى كان نبيلاً ورقيق المشاعر وفنانًا.