قال إيهاب سعيد خبير سوق المال، إن التعديلات الجديدة التى قامت الحكومة المستقيلة بإجرائها على قانون الاستثمار لا شك أنها تعد إضافة حقيقية، ومطلبا طالما نادينا به فى السابق، مع قانون التصالح، لاسيما فيما يتعلق بقصر الطعن على العقود السابقة على الحكومة والمستثمر، وذلك للحد من الدعاوى القضائية التى يقوم بعض الباحثين عن الشهرة برفعها أمام محاكم القضاء الإدارى بدعوى محاربة الفساد.
وأضاف سعيد، أنه تفاءل خيرا بتلك التعديلات باعتبارها خطوة جيدة نحو الإصلاح الحقيقيى ولكن سرعان ما فوجئنا بخروج وزير الاستثمار (النشيط) أسامة صالح من الوزارة، وفوجئنا أيضا ببعض الأصوات التى تعارض تلك التعديلات بدعوى محاربة الفساد وعودة نظام مبارك! على الرغم من أن فوضى الدعاوى القضائية قد بدأت أصلا فى عصر مبارك، فجميعنا نذكر قضية مدينتى الشهيرة!!.. والغريب أن مبارك ونظامه احترم فى حينها أحكام القضاء وقام بتشكيل لجنة من كبار المستشارين للخروج من مأزق بطلان عقد البيع.
وأذكر أنى كنت أول من طالب فى أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير بضرورة إيجاد حل "دستورى"، أو حتى إيجاد تعديل تشريعى ينص على عدم جواز رفع الدعاوى القضائية فيما يتعلق بقضايا الصالح العام، سوى من قبل هيئات محددة أو الملاك أنفسهم "فى القضايا المتعلقة بالقطاع العقارى" أو حتى الحكومة نفسها والمستثمر فى العقود المبرمة بين الدولة وبين المستثمرين وليس من غير ذى صفة، وهو بالفعل ما أقرته تلك التعديلات مؤخراً.
فجميعنا نذكر بداية تلك الفوضى بالدعوى التى قام أحد المواطنين برفعها ضد هيئة المجتمعات العمرانية ببطلان عقد "مدينتى" بين الهيئة وبين مجموعة طلعت مصطفى القابضة إبان فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وهى الدعوى التى مازالت منظورة حتى الآن أمام القضاء، ولا يخفى على أحد حجم التأثير السلبى الذى سببته تلك القضية على القطاع العقارى برمته والذى مازال يعانى حتى يومنا هذا، وبعدها بدأت تتوالى الدعاوى لاسيما بعدما لاقى أول من قام برفع مثل هذا النوع من الدعاوى شهرة تفوق نجوم السينما، الأمر الذى يبدو أنه قد أغرى البعض من هواة "الشهره" للبحث والتمحيص فى القوانين لإيجاد ثغرة تمكنه من رفع دعوى قضائية على أى من الشركات واتهامها بالاستيلاء على أراضى الدولة بأبخس الأسعار، أو لخطأ ما فى إجراء قامت به الحكومة عند توقيع العقد، ومن ثم يحقق الشهرة المزعومة، ليبدأ مسلسل الدعاوى القضائية والتى كان أشهرها إعادة ثلاث شركات لقطاع الأعمال وهى غزل شبين وطنطا للكتان والمراجل البخارية.
ثم بعدها جاءت النيل لحليج الأقطان والتى اكتشفت الحكومة بعد الحكم ببطلان عقد البيع بعد أكثر من 15 عاما من توقيعه استحالة تنفيذ الحكم، وهو الأمر الذى أدى بالحكم على رئيس الوزراء السابق الدكتور هشام قنديل لمدة عام بسبب امتناعه عن التنفيذ، وبعيدا عن ذلك.. فالواقع أثبت أن هناك استحاله فعليه للتنفيذ، لاسيما بعد أن تم تداول السهم فى البورصة وانتقال ملكيته آلاف المرات بين العديد من المستثمرين، وهذا أيضا بخلاف قضايا أخرى عديدة مازالت منظورة أمام المحاكم حتى الآن، وبكل أسف القضاة تحكم دائما بالأوراق بعيدا عن الآثار السلبية التى يمكن أن تخلفها هذه الأحكام!
فيكفى أن نشير إلى أن الإعلام الغربى قد روج لأحكام القضاء الإدارى بإلغاء عقود خصخصة لبعض الشركات بأنه تأميم من نوع جديد، وهو بطبيعة الحال ما أدى إلى إحجام العديد من المستثمرين عن مجرد التفكير فى التوجه للسوق المصرى فى ظل هذه الفوضى.
وأذكر أيضا أن تحذيراتنا فى حينها قد أشارت إلى خطورة امتداد تلك الدعاوى القضائية إلى شركات تابعة لقطاعات استراتيجيه مثل قطاع الأسمنت على سبيل المثال، فبعيدا عن ما قد يكون شاب تلك العقود من فساد، فالأضرار المترتبة على إلغاء مثل هذه النوعية من العقود قد تكون باهظة الثمن، لاسيما وأنه من المعروف أن الدول الأوروبية تعتمد بشكل أساسى على مصانع الأسمنت فى مصر وفى بعض الدول المجاورة كونها محظور فيها إنشاء مثل هذه المصانع فى دولها.. وإعادة هذه الشركات للدولة سيضر بمصالحها ضررا كبيرا يذكرنا بالضرر الذى عاد عليها إبان تأميم قناة السويس فى عهد الرئيس جمال عبد الناصر وتبعات هذا القرار (الثورى).
ولكل ما ذكرنا نطالب الحكومة الجديدة بسرعة إرسال التعديلات الجديدة التى قامت الحكومة السابقة بصياغتها إلى لجنة الفتوى بمجلس الدولة لسرعة إخراجها للنور، ونتمنى ألا تتأثر الحكومة ببعض الأصوات التى ترى فى تلك التعديلات (غلق لباب رزق) وتطالب بعدم تفعيلها بدعوى مخالفتها للمادة 97 من الدستور، فما نصت عليه تلك المادة هو عدم جواز تحصين القرارت الإدارية أو الحكومية، وما قامت به الحكومة فى تلك التعديلات هو مجرد قصر الطعن على جهات أو أفراد بعينها، كما هو الحال فى قضايا عديدة لكيما تغلق هذا الباب أمام هواة الشهرة والمتشدقين بشعارات الثورية ومحاربة الفساد!!
فقد أثبتت السنوات الماضية أن تكلفة تلك الدعاوى وإعادة فتحها أمام القضاء أكبر بكثير من مجرد بطلان تلك التعاقدات، لاسيما وأن الحكومة ذاتها لا تملك السيولة التى يمكن أن تقوم بدفعها للمستثمر لإبطال العقد، ولا تملك أيضا رفاهية إعادة عمال تلك الشركات لتزداد أعبائها عدا عن الأحكام المتوقعة بتعويضات تفوق فى قيمتها قيم الشركات نفسها من المتوقع أن يقضى بها التحكيم الدولى، وناهيك عن السمعة السيىئة التى خلفتها بعض هذه الأحكام أمام الاستثمار الأجنبى.
قانون "تحصين العقود" ضرورة اقتصادية تشجع الاستثمارات الأجنبية ولا تخالف الدستور.. وتمنع طالبى الشهرة من الإساءة لمصر.. وتنهى قضايا تحكيم دولية بمليارات الدولارات
الخميس، 27 فبراير 2014 11:35 ص