براميل متفجرة وراجمات صواريخ ومدفعية ثقيلة تستهدف يوميا قرى ومدنا سورية تحوى آثارا لن تعوض يرجع تاريخها لإنسان ما قبل التاريخ، الصواريخ والمدفعية التى يزعم النظام السورى أنها تستهدف "التكفيريين" تستهدف المدنيين وآثارا تاريخية تنتمى لحقب تاريخية من الحقب الأولى فى التاريخ الإنسانى.
فى ظل التصفية لأهالى يبرود تصفى المعالم الأثرية اليبرودية بشكل يومى، فالكهوف التى ترجع لإنسان ما قبل التاريخ والحفريات التى كانت مزدانة داخل الجبال، ولم تنتهِ حملات التنقيب من استخراجها جميعا لم يمهلها النظام السورى، وساهم فى تدميرها وجبهتى المعارضة حزب الله والجيش الحر.
تاريخ يبرود:
تعتبر "يبرود" من أهم مناطق سكن إنسان ما قبل التاريخ، حيث اكتشفت مغاور طبيعية محفورة فى الجبال وفى الأودية المحيطة بالمدينة، وذكر الباحث "ألفرد روست" مكتشف هذه المغاور أن وادى "اسكفتا" أشهر وديان الشرق الأدنى فى عصور ما قبل التاريخ، والباحث السورى نور الدين عقيل قال فى تعريفه للمدينة: "يبرود كلمة آرامية ورد ذكرها فى كتابات الرقم الفخارية فى بلاد ما بين النهرين".
معابد عبادة الشمس
وذكر اسم "يبرود" فى كتاب البلدان الذى وضعه الجغرافى اليونانى بطليموس القلوذى الذى عاش فى القرن الثانى للميلاد، أصبحت "يبرود" فى العهد الرومانى مركزا عسكريا، ويستدل على ذلك من بقايا أحد الحصون الرومانية الذى لا تزال بقاياه ظاهرة، فى العهد الآرامى بنى معبد ضخم لعبادة الشمس، ولا تزال الحجارة الباقية تحمل كتابات ونقوشاً تدل على حالته التاريخية السابقة، جرت أولى عمليات التنقيب فى مدينة "يبرود" مع بداية عام 1930 على يد العالم الألمانى ألفرد روست، واستمرت ثلاث سنوات اكتشف من خلالها أبرز معالم الحضارة اليبرودية، ليصدر بعدها كتابه باللغة الألمانية مغاور يبرود فى عام 1950، وعلى ضوء تلك الاكتشافات قدمت بعثة أمريكية فى عام 1965 تضم باحثين من جامعة كولومبيا فى "نيويورك" برئاسة البروفسور رالف سوليكى Solecki, Ralph S الذى عاد مجددًا فى عام 1987، ليكتشف بقايا للإنسان اليبرودى الذى اعتبر أقدم من سكن الأرض وأقام الحضارة فيها، ومع مطلع التسعينيات زارت بعثة يابانية مدينة "يبرود" لمتابعة عمليات التنقيب والدراسة، هذه الاكتشافات لعبت دورًا بارزًا فى تقديم صورة ومادة علمية استفاد منها الباحثون فى حقل دراسات العصور الحجرية فى العالم.
كنيسة يبرود أقدم معالم سورية الأثرية
وفى يبرود تعتبر كنيسة "يبرود" من أقدم المعالم الأثرية فى سوريا، ففى بداية الألف الأولى قبل الميلاد أصبحت "يبرود" مركزًا لإحدى الممالك الآرامية فى سوريا وبلاد الشام، وازدهرت هذه المملكة سياسيا واقتصاديا وعسكريا، تم فى ذلك العهد بناء أكبر وأفخم معابد الشمس فى البلاد فى وسط المدينة بسعة كبيرة قياسا إلى معابد تلك الأزمنة الغابرة، بحجارة ضخمة منحوتة من الصخر محاطاً برواق محمول على أعمدة طويلة رشيقة اسطوانية غاية فى الجمال والإبداع، لا تزال بعض قواعدها ظاهرة للعيان حتى وقتنا هذا، كذلك حجارته القاعدية الضخمة التى يبلغ أحجامها بحدود المتر المكعب، تحول هذا المعبد بعيد الاحتلال الرومانى لبلاد الشام إلى معبد لعبادة جوبيتر كبير آلهة الرومان آنذاك، فى سنة 331م تحول هذا المعبد الوثنى إلى كاتدرائية مسيحية باسم القديسين "قسطنطين وهيلانة" تيمنا بالإمبراطور الرومانى "قسطنطين" الذى سمح بالحرية الدينية بالبلاد، وأمه القديسة هيلانة التى أقنعته بالتسامح الدينى وتحولت الدولة الرومانية فيما بعد إلى الديانة المسيحية، فيما بعد قام إبراهيم باشا والى مصر أثناء حملته فى سوريا بوهبه للأهالى والتعهد بصيانته والحفاظ عليه وبقى على ماهو عليه ككنيسة.
مسجد وجامع الخضر
وفى يبرود مسجد وجامع الخضر الذى لم يتبق منه سوى مئذنته القديمة والتى انتهت ورشات الترميم من إعادة الحياة إليها، وأعادت إليها أيام مجدها، فهذه المئذنة تشبه مئذنة المسجد الأموى بدمشق إلى حد كبير كما يقال إنها بنيت فى فترة زمنية قريبة جداً من العهد الأموى فى بلاد الشام، وحتى الآن لا تزال الدراسات حول مسألة تحديد عمر الإنسان الحجرى فى "يبرود" هل هو قبل إنسان "النياندرتال" أم بعده؟ مسألة غير قابلة للتحديد نتيجة توقف الحملات الاستكشافية وورشات التنقيب عن البحث أكثر فى تاريخ يبرود وماضيها، غير أن للباحث السورى نور الدين عقيل مستنداً إلى معلومات ونتائج متحققة رأيا آخر، فهو يقول إن سكان مغاور وملاجئ "وادى إسكفتا فى يبرود"، وخاصة الملجأ الأول استوطنوا المكان على امتداد زمن يزيد على 150 ألف سنة، إضافة إلى 25 مجموعة بشرية لكل منها حضارتها الخاصة، وأكثرها أصالة كانت الجماعات اليبرودية التى دلت عليها أدواتها الصوانية. وقد جمعت مكتشفات مغاور يبرود فى قاعة خاصة ضمن متحف دمشق الوطنى فى دمشق التنقيبات لم تتوصل بعد الكثير من أسرار الحضارة اليبرودية، التى لا يزال الكثير منها جاثماً ينتظر من يكشف عنه عباءة التراب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة