نقلاً عن اليومى..
شعرت بصداع حاد، حاولت أن تخفيه وهى تقوم بتحضير العشاء لأبنائها، فقد قاربوا على العودة إلى المنزل بعد يوم طويل من العمل الشاق، حاولت أن تنسى آلامها وهى تقوم بوضع الطعام على المائدة، وهى تبتسم لهم، وفجأة فقدت قدرتها على تحمل الألم فسقطت الأم مغشيا عليها، هرول أبناؤها ووضعوها فى أقرب سيارة أجرة مسرعين بها إلى «مستشفى الساحل» القريب من منزلهم بمنطقة شبرا، وفى قسم الاستقبال أخبرهم الأطباء بوجوب نقلها إلى مستشفى الدمرداش لإجراء أشعة مقطعية على المخ، حيث إن ذلك الجهاز غير متوفر بالمستشفى، وبعد إجراء الأشعة أكد لهم الأطباء فى مستشفى الدمرداش ضرورة البحث لها عن غرفة عناية مركزة فى أسرع وقت لخطورة حالتها، لتبدأ رحلة معاناة بين المستشفيات المختلفة من «الدمرداش» إلى «الحسين الجامعى» إلى «قصر العينى»، وهم يحملون والدتهم بحثا عن الغرفة المنشودة، وفى آذانهم كلمات الطبيب الذى حذرهم من تعرضها لأى مجهود قد يؤدى إلى ارتفاع الضغط أو السكر، لأن ذلك يعنى الوفاة.
يقول ابنها الأكبر «أ. ى»: طرقنا كل الأبواب للبحث عن غرفة عناية مركزة لأمنا التى كانت تصارع الموت، فذهبنا إلى «قصر العينى» الذى رفض استقبالها بحجة أن الغرف مشغولة ولا يوجد سرير خالٍ، ويضيف: «قمنا بالاتصال بوزارة الصحة وبعد عدة محاولات قاموا بالرد علينا بصورة باهتة، وأخبرونا بعدم توافر غرف عناية خالية فى ذلك، وعلينا الاتصال فى وقت لاحق، ويستطرد ساخرا: «هما مسمينه الخط الساخن بس للغلابة بيكون فى الفريزر».
ويضيف شقيقه قائلا: «لم نجد أمامنا سوى أن ندخلها العناية المركزة بأى وسيلة، وبعد دقائق من الشد والجذب، مرت علينا كالدهر حضر أحد الأطباء الذى قبل على مضض إيداعها فى إحدى غرف العناية المركزة، مقابل قيامنا بشراء كل ما تحتاجه من أدوات طبية على نفقتنا الخاصة، وهى الأدوات اللازمة لإجراء جراحة عاجلة لها، لمنع النزيف الذى حدث بالرأس نتيجة ارتفاع ضغط الدم بصورة غير طبيعية».
ويكمل: «ومع توالى عمليات الشراء المكلفة، توجهنا إلى إدارة التبرعات التى أوضحت أن الصندوق يتم الصرف منه على حالات جماعية ولا يخصص منه أو يستقطع منه أى مبالغ لمواجهة حالة فردية».
وخلال جولة «اليوم السابع» فى مستشفى «قصر العينى» الذى اكتظ بأهالى المرضى، الذين جاءوا من كل حدب وصوب للبحث عن غرفة عناية مركزة خالية، تكررت جملة واحدة «لا توجد أماكن خالية».
ويقول رأفت بدوى من الفيوم: «أصيب والدى بنزيف حاد فى المخ، وكان فى حاجة عاجلة لإيداعه غرفة العناية المركزة، وبعد «دوخة» فى مستشفيات المحافظة، لم أجد سريرا خاليا، فحضرت إلى القاهرة لعلى أجد ما أبحث عنه لإنقاذ والدى، وبدأت رحلة البحث من مستشفى «الحسين الجامعى» إلى «المنيرة» إلى «أحمد ماهر» لأتلقى إجابة واحدة «لا يوجد غرفة أو سرير خالٍ، وعليكم باللجوء إلى المستشفيات الخاصة».
وتكمل «مديحة محمود»، موظفة: أصيب زوجى بدوخة وإغماء مفاجئ، ذهبت به إلى مستشفى معهد ناصر، وبعد إجراء الكشف الطبى عليه، قرر الأطباء حاجته لدخول غرفة العناية المركزة «مبقتش عارفة أعمل إيه بعد ما دوخت على المستشتفيات الحكومية والجامعية» والتى كانت الجملة المتكررة بها «كل السراير مشغولة» لجأت بعدها إلى المستشفيات الخاصة.
فى إحدى الطرقات كان هناك صوت أنين منخفض يعبر عن ألم واضح، وبالاقتراب أكثر من مصدر الصوت، كان هناك شاب ممدد على أحد الأسرة عارى الجسد إلا من غطاء رقيق بسبب الجروح التى تنتشر فى جسده، وطلب بصوت هامس معاونته فى تغطية الأجزاء المكشوفة منه، لأن يديه ورجليه فى الجبس.
كان بجواره رجل فى العقد السادس من عمره رث الهيئة يرتدى جلبابا ممزقا، حاول التماسك والتحدث معنا قائلا: «أحضرت ابنى محمد إلى هنا بعدما أصيب بحادث سيارة أدى إلى تهشم أجزاء كبيرة من جسده، فقام الأطباء بوضعها فى الجبس، رافضين استكمال علاجه، لأنهم طلبوا بعض المستلزمات الطبية، ولم يكن معى نقود فقاموا بإخراجه من غرفة العمليات، وقالوا: «لما تجيب الحاجة نبقى نكمل شغلنا» ويكمل: «طب واللى معهوش يعمل إيه؟».
لم يكن محمود هو الوحيد الذى لم يجد من يرعاه، فخلال جولة «اليوم السابع» بالمستشفى كان هناك العديد من المرضى خارج العنابر فيما يعرف بعنبر العلاج المجانى، وبسؤال أحد العاملين فيه عن ذلك العنبر قال: «هانعملهم إيه مش كفاية بنعالجهم ببلاش لو مش عاجبهم يدوروا على مكان تانى».
ومن جانبه قال الدكتور عمرو الشورى، عضو مجلس نقابة الأطباء: «تعتبر مصر من أقل الدول إنفاقًا على الصحة، فأفغانستان تنفق أعلى منها بمعدل %7.6، والعراق %8.4، وبوروندى الأفريقية النامية %11.7. ويوضح الشورى أن معدل الإنفاق فى موازنات السنوات الثلاث الماضية لم يتخط %4.9، رغم أن المعدل الدولى الذى تم إقراره فى قمة الألفية بالأمم المتحدة هو %15، والذى أقرته قمة «أبوجا» التى وقعت عليها مصر عام 2001.
وكشف الشورى عن أن عدد الأسرة فى المستشفيات فى مصر انخفض من 125.457 سريرا فى 1998 إلى 115.735 فى 2011، بدلاً من أن يزيد ليواكب الزيادة الكبيرة فى عدد السكان، كما أن عدد الأسرة فى المستشفيات الحكومية نقص من 71.694 سريرا عام 1998 إلى 41.647 سريرا فى 2011، وفى المقابل زادت نسبة القطاع الخاص مرتفع التكاليف من 15.259 سريرا عام 98 إلى 29.393 عام 2011.
وأشار الشورى إلى أن نسبة الأسرة إلى السكان فى مصر 1.6 سرير لكل 1000 مواطن، بينما تبلغ النسبة فى الهند 5 أسرة لكل 1000 مواطن، وفى الولايات المتحدة 10، وفى السويد 12، ويؤكد الشورى أن معدل دخول المرضى للمستشفيات الحكومية تراجع تدريجياً، من 2.468.871 حالة فى 2009، إلى 2.011.619 فى 2011، وفى المقابل ارتفعت نسب الموتى، من %0.84 عام 2009 إلى %1 عام 2011 الذى شهد وفاة 20.038 مريضًا فى المستشفيات الحكومية.
وعن أزمة العناية المركزة قال الشورى: عدد أسرة العناية المركزة فى مصر 7000 سرير، وهو عدد قليل جدا لا يتناسب مع الزيادة المضطردة فى السكان، ويكشف الشورى أن عدد المرضى الداخلين لغرف العناية المركزة فى المستشفيات الحكومية ينقص تدريجيًا، من 2009 حيث دخلها 70.642 مريضا بينما فى 2011 دخلها 57.529 وفى المقابل ارتفعت نسبة الموتى باطراد من %5.19 فى 2009 إلى %6.14 فى 2011، الذى شهد وفاة 3.533 مريضا فى غرف العناية المركزة بالمستشفيات الحكومية.
وفى السياق نفسه يقول الدكتور طاهر مختار، أخصائى عناية مركزة وطوارئ وعضو سابق بمجلس نقابة أطباء الإسكندرية: إن وزارة الصحة لا تملك إحصائيات دقيقة عن غرف العناية المركزة الموجودة لديها، وبالتالى فإن الحديث عن إنشاء خط ساخن لإنقاذ المرضى فى حالات الطوارئ من قبيل العبث «وحبر على ورق».
ويؤكد مختار أن السبب الحقيقى لتلك الأزمة يأتى لضعف الإنفاق على الخدمة الصحية، حيث يتكلف إنشاء الغرفة الواحدة ما يقرب من 250 ألف جنيه، بالإضافة إلى الأجهزة الخاصة والتى تلحق بها، بحيث يمكن أن يصل ثمن إنشاء الغرفة إلى نصف مليون جنيه.
ويقول أحد الأطباء، الذى رفض ذكر اسمه: إن الوضع الصحى يشهد تدهورا حادا، سواء على مستوى الخدمة المقدمة أو المشرفين عليها، فهناك ندرة حقيقية فى أطقم الأطباء والممرضين المدربين على التعامل مع المرضى بأسلوب علمى، وخاصة فى غرف العناية المركزة، وهو ما ترفض الاعتراف به وزارة الصحة.
ويكشف عن أن المستشفيات الحكومية تعانى من أزمة حادة فى غرف العناية المركزة، حيث إن مستشفى الهلال يوجد به 262 سريرا منها 17 سريرا للرعاية المركزة و 4 عناية متوسطة و5 لرعاية القلب، كما أن مستشفى المنيرة مكون من: 312 سريرا منها 12 سريرا فقط عناية مركزة، بالإضافة إلى مستشفى بولاق الدكرور الذى يوجد به 9 أسرة فقط عناية مركزة.
من ناحيته قال الدكتور أحمد كامل، المتحدث باسم وزارة الصحة: إن الوزارة قامت بالعمل على محورين من أجل القضاء على تلك الأزمة المتمثلة فى قلة أعداد غرف العناية المركزة بالتوسع فى إنشاء تلك الغرف فى المستشفيات الجديدة، التى يتم افتتاحها، وتزويد المستشفيات القديمة بغرف إضافية وتحديث الأجهزة بها.
وأشار كامل إلى أن الوزراة قامت بإنشاء الخط الساخن لخدمة المرضى وتعريفهم بالأماكن التى يوجد بها غرف عناية مركزة خالية.
وعن المعاملة غير اللائقة لأهالى المرضى عند الاتصال بتلك الخدمة، من جانب بعض العاملين، قال: إن تلك الخدمة مراقبة وعلى من يتعرض لأى إهانة التوجة فورا لتقديم شكوى.
ورفض ما يقال عن أن ضعف المخصصات المالية لوزارة الصحة هو السبب فى تدهور الخدمة العلاجية بالمستشفيات الحكومية، مؤكدا أن تلك النقطة تم علاجها فى الدستور بزيادة نسبة الإنفاق على الصحة، بما يعادل %3 من الناتج القومى، مشددا على أن النسبة السابقة مرضية، ولم تكن بالسوء الذى يشيعه البعض بالنظر للحالة الاقتصادية للبلاد.
العناية المركزة.. الحلم المستحيل للمرضى الفقراء .. «قصر العينى»: لا توجد أماكن.. والموظفون ينصحون المرضى بالمستشفيات الخاصة
الأربعاء، 26 فبراير 2014 09:30 ص
صورة أرشيفية
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
عمرو
مستشفيات الحكومه