يرى البعض أن الاحتجاجات العمالية التى أصبحت بؤرة الأحداث خلال الأيام القليلة الماضية، سببا رئيسيا فى تعجيل استقالة الحكومة فى هذا الوقت الحساس الذى يسبق إجراء الانتخابات الرئاسية، والانتهاء من الموازنة الجديدة للدولة.
ولكن عندما ندقق فى النظر لطبيعة الأمور، نجد أن هذه الاحتجاجات والتى تطالب بزيادة الأجور، هى نتاج طبيعى لحالة الارتباك والتخبط التى شهدها أروقة مجلس الوزراء، وعلى الأخص المجموعة الوزارية الاقتصادية، والتى سقطت فى فخ الانصياع للمطالب الشعبوية بسرعة إقرار الحد الأدنى للأجور، رغم ما تعانيه الموازنة من عجز غير مسبوق حقق 14% العام المالى السابق، وتصل تكلفة تطبيق الحد الأدنى لأجور العاملين بالقطاع الحكومى إلى 10 مليارات جنيه خلال الـ6 أشهر الأخيرة من العام المالى.
واقع الأمر أن الحد الأدنى للأجور رغم أنه مطلب شعبوى للعديد من الفئات، إلا أن الحكومة قد يكون جانبها الصواب فى إقراره بهذا التوقيت الحرج، بل والأكثر خطورة هو طريقة التطبيق الخاطئة التى اتبعتها، حيث تم إقرار الزيادات للعاملين بالحكومة واستثناء الشركات العامة وقطاع الأعمال العام، فى حين ما زالت المفاوضات بين ممثلى العمال والحكومة وأصحاب الأعمال حول تطبيق الحد الأدنى للعاملين بالقطاع الخاص، دون الوصول لنتيجة واضحة سوى الإعلان المستمر من قبل الطرفين بتقارب وجهات النظر.
هذا الاستثناء علقت عليه الدكتورة شيرين الشواربى مساعد وزير المالية فى تصريحات لها بمؤتمر كلية الاقتصاد أمس، أنه غير عادل وقالت أن استبعاد فئات معينة من تطبيق الحد الأدنى يخلق مزيدا من الاحتجاجات للمطالبة بالمساواة، بل أكدت أن توقيت التطبيق خاطئ من البداية مع وجود عجز كبير بالموازنة العامة بلغ 14% العام المالى الماضى.
الأكثر غرابة فى هذا الأمر أنه حتى الآن لم تتمكن معظم الجهات التى شملها القرار الوزارى باستحقاق الحد الأدنى للأجور من تطبيقه فعليا، حيث لا يزال المراقبون الماليون بالعديد من الجهات غارقين فى بحر الحد الأدنى، وغير قادرين على احتسابه حتى الآن، وهو ما يعنى أن موظفى الحكومة المشتاقين للزيادة سيفاجأون بأن راتب شهر فبراير يخلو من أى زيادات جديدة، للمرة الثانية على التوالى وهو ما تكرر الشهر الماضى أيضا.
واستطلع "اليوم السابع" آراء عدد من المراقبين الماليين بجهات حكومية، وهم المعنيين باحتساب الحد الأدنى وصرفه للموظفين، وكشفوا أنه حتى الآن لم تتمكن جهات عديدة من إنهاء احتساب الحد الأدنى، لأن هذا الأمر يتطلب احتساب كافة العلاوات والمكافآت التى حصل عليها كل موظف بالحكومة العام الماضى بما فيها المكافآت التى تم صرفها لمرة واحدة، حيث يتم قسمتها على 12 شهرا للوصول إلى متوسط الزيادة الشهرية، كل هذه الحسابات للوصول فى نهاية الأمر إلى إجمالى ما حصل عليه الموظف خلال العام الماضى، وفى حالة أن يصل هذا المبلغ لنسبة 400% من الراتب الأساسى لا يستحق الزيادة، وإذا لم يصل إليها يستحق الزيادة حتى يصل إلى النسبة المذكورة، دون أن يشير القرار من قريب أو من بعيد إلى مبلغ الـ1200 جنيه الذى تعلن عنه الحكومة.
ويعانى المراقبون الماليون من صعوبة احتساب الحد الأدنى، فى ظل عدم وجود قواعد بيانات إليكترونية لرواتب العاملين يمكن من خلالها احتساب الزيادة، حيث يجرى العمل فى كثير من الجهات يدويا، وفى الوقت نفسه فإن الجهات التى يتلقى موظفوها مكافآت عديدة من أكثر من جهة أو من الصناديق الخاصة فإنها الأكثر صعوبة فى الحساب، وحتى الآن لم يجد المراقبون الماليون إجابة شافية من وزارتهم- المالية- عن "معادلة فك الشفرة".
عدم انتهاء هذه الجهات من احتساب قيمة الحد الأدنى، يهدد بتصاعد الاحتجاجات بين موظفى الحكومة منتظرى الزيادة فى حالة عدم حصولهم عليها مع راتب الشهر الجارى، فى وقت يجد فيه المراقب المالى نفسه بين شقى الرحى، إما أن ينتظر الانتهاء من عملياته الحسابية التى تحتاج الكثير من الوقت ثم يطبق القانون وهو ما لم ينتظره أو يتفهمه الموظفون، وإما أن يسارع بإجراءات الصرف حتى ولو بالمخالفة، وهو ما يعرضه للمساءلة القانونية، وفى الحالتين الموقف سيئ.
علاوة على ما سبق شهدت المجموعة الوزارية الاقتصادية تخطبا وارتباكا فيما يتعلق باستبعاد قطاع الأعمال العام والهيئات الاقتصادية من قرار تطبيق الحد الأدنى، وهو ما ظهر جليا فى تصريحات وزيرى الاستثمار والتخطيط بالحكومة المستقيلة.
من جانبه ألقى أسامة صالح وزير الاستثمار بالحكومة المستقيلة العبء على المجلس القومى للأجور الذى يرأسه وزير التخطيط الدكتور أشرف العربى، مؤكدا فى تصريحاته لـ"اليوم السابع" أن المجلس يضم فى عضويته ممثلى العمال، وهو من يناقش هذا الأمر، مؤكدا أن ما سيتوصل إليه المجلس بشأن العاملين بالقطاع الخاص سيطبق على العاملين بقطاع الأعمال العام.
وعلى العكس تماما استبعد الدكتور أشرف العربى، وزير التخطيط، أن يتطرق مجلس الأجور لهذا الموضوع على الإطلاق، رغم مطالبة أعضاء المجلس الجدد الممثلين عن اتحاد العمال لإقرار حد أدنى لأجور العاملين بقطاع الأعمال العام، إلا أن العربى أكد أن المجلس ليست له هذه الصلاحية بموجب القانون الذى أنشئ طبقا له، حيث تنص المادة 34 من قانون العمل رقم 12 لسنة 2013 أن تعامل المجلس يقتصر فقط مع العاملين بالقطاع الخاص.
هذا التخبط كان سببا رئيسيا فى اندلاع الاحتجاجات العمالية، خاصة أن تطلعات العاملين فاقت سقف توقعات الحكومة، وهو ما يخلق تحديا كبيرا أمام أى حكومة جديدة أو مسئول بالدولة، وهو مصارحة جميع أطياف الشعب بالحقيقة، فاستمرار الحديث عن تحسن الأوضاع الاقتصادية يخلق المزيد من الأطماع الشعبوية فى المطالبة بزيادة الأجور وتحسين مستوى المعيشة، وكلها مطالب مشروعة لا خلاف عليها، وقامت من أجلها ثورتان، ولكن ما يجب أن يعيه الجميع أن الوضع الاقتصادى ليس بهذه الصورة الوردية، لأن جميع ما حققناه من أداء اقتصادى كان بفضل المساعدات العربية والتى لن تستمر كثيرا.
كما يجب أن يعى جميع الشعب أن العمل والإنتاج هو السبيل الوحيد لزيادة الأجور وتحسين مستوى المعيشة، وهو ما يطمح إليه الجميع، لكن اتخاذ قرارات غير مدروسة فى أوقات عصيبة هو انصياع لابتزاز فئات لا ننكر حقها فى ما تطالب به، ولكن الحكومة عليها إدارة موارد الدولة بما يسمح فى وقت لاحق بتحقيق جميع هذه المطالب دون ضغوط تؤثر سلبا على استمرار عجز الموازنة، وبالتالى تهدد مستقبل الأجيال القادمة.
"الحد الأدنى للأجور".. الملف الذى أطاح بحكومة الببلاوى.. "المالية" فشلت فى تطبيقه واعترفت بعدم "عدالته".. القرار أشعل احتجاجات العمال.. ووزيرا الاستثمار والتخطيط تبادلا إلقاء مسئولية القطاع العام
الأربعاء، 26 فبراير 2014 03:03 م
صورة ارشيفية
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة